الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيا فإن نبوته وجبت له من حين أخذ الميثاق منه حين استخرج من صلب آدم فكان نبيا من حينئذ لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك وذلك لا يمنع كونه نبيا قبل خروجه كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت قال حنبل: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد: من زعم أن النبي كان على دين قومه قبل أن يبعث؟ قال: هذا قول سوء ينبغي لصاحب هذه المقالة أن يحذر كلامه ولا يجالس قلت له: إن جارنا الناقد أبا العباس يقول هذه المقالة؟ قال: قاتله الله وأي شيء أبقى إذا زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام قال الله تعالى حاكيا عن عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف: ٦] قلت له: وزعم أن خديجة كانت على ذلك حين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قال: أما خديجة فلا أقول شيئا قد كانت أول من آمن به من النساء ثم قال: ماذا يحدث الناس من الكلام!! هؤلاء أصحاب الكلام لم يفلح ـ سبحان الله ـ لهذا القول واحتج في ذلك بكلام لم أحفظه.
وذكر أن أمه حين ولدت رأت نورا أضاء له قصور الشام أو ليس هذا عندما ولدت رأت هذا وقبل أن يبعث كان طاهرا مطهرا من الأوثان أوليس كان لا يأكل لما ذبح على النصب ثم قال:"احذروا الكلام فإن أصحاب الكلام أمرهم لا يؤول إلى خير" خرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب السنة ومراد الإمام أحمد الإستدلال بتقدم البشارة بنبوته من الأنبياء الذين قبله وبما شوهد عند ولادته من الآيات على أنه كان نبيا من قبل خروجه إلى الدنيا وولادته وهذا هو الذي يدل عليه حديث العرباض بن سارية هذا فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر فيه أن نبوته كانت حاصلة من حين آدم منجدلا في طينته والمراد بالمنجدل: الطريح الملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه ويقال للقتيل: إنه منجدل لذلك.
ثم استدل صلى الله عليه وسلم على سبق ذكره والتنويه باسمه ونبوته وشرف قدره لخروجه إلى الدنيا بثلاث دلائل وهو مراده بقوله تعالى "وسأنبئكم بتأويل ذلك".
الدليل الأول: دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام وأشار إلى ما قص الله في كتابه عن إبراهيم وإسماعيل لأنهما قالا عند بناء البيت الذي بمكة: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ.