والعمل به فالحكيم هو العالم المستنبط لدقائق العلم المنتفع بعلمه بالعمل به ولأبي العتاهية:
وكيف تحب أن تدعى حكيما ... وأنت لكل ما تهوى ركوب
وتضحك دائبا ظهرا لبطن ... وتذكر ما عملت فلا تتوب
قوله تعال:{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: ١٦٤] إشارة إلى ما كان الناس عليه قبل إنزال هذا الكتاب من الضلال فإن الله نظر حينئذ إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب تمسكوا بدينهم الذي لم يبدل ولم يغير وكانوا قليلا جدا فأما عامة أهل الكتاب فكانوا قد بدلوا كتبهم وغيروها وحرفوها وأدخلوا في دينهم ما ليس منه فضلوا وأضلوا وأما غير أهل الكاتب فكانوا على ضلال بين فالأميون أهل شرك يعبدون الأوثان والمجوس يعبدون النيران ويقولون بإلهين اثنين وكذلك غيرهم من أهل الأرض منهم من كان يعبد النجوم ومنهم من كان يعبد الشمس أو القمر فهدى الله المؤمنين بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما جاء به من الهدى والدين الحق وأظهر الله دينه حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها فظهرت فيها كلمة التوحيد والعمل بالعدل بعد أن كانت الأرض كلها ممتلئة من الشرك والظلم فالأميون هم العرب والآخرون الذي لم يلحقوا بهم هم أهل فارس والروم فكانت أهل فارس مجوسا والروم نصارى فهدى الله جميع هؤلاء برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد.
وقد رؤي الإمام بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: لولا النبي لكنا مجوسا قال: فإن أهل العراق لولا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لكانوا مجوسا وأهل الشام ومصر والروم لولا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لكانوا نصارى وأهل جزيرة العرب لولا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لكانوا مشركين عباد أوثان ولكن رحم الله عباده بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم فأنقذهم من الضلال كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الانبياء:١٠٧] ولهذا قال تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة:٤] فمن حصل له نصيب من دين الإسلام فقد حصل له الفضل العظيم وقد عظمت عليه نعمة الله فما أحوجه إلى القيام بشكر هذه النعمة وسؤاله دوامها والثبات عليها إلى الممات والموت عليها فبذلك تتم النعمة.
فإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو إمام الحنفاء المأمور محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله