الحزامي: الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا أنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل وقال خليفة بن خياط: هذا هو المجمع عليه وكانت قصة الفيل توطئة لنبوته وتقدمة لظهوره وبعثته وقد قص الله ذلك في كتابه فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل: ١, ٥] .
فقوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل: ١] استفهام تقرير لمن سمع هذا الخطاب وهذا يدل على اشتهار ذلك بينهم ومعرفتهم به وأنه مما لا يخفى علمه عن العرب خصوصا قريشا وأهل مكة وهذا أمر اشتهر بينهم وتعارفوه وقالوا فيه الأشعار السائرة وقد قالت عائشة: رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين يستطعمان وفي هذه القصة ما يدل على تعظيم مكة واحترامها واحترام بيت الله الذي فيها ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عقب ذلك تدل على نبوته ورسالته فإنه صلى الله عليه وسلم بعث بتعظيم هذا البيت وحجه والصلاة إليه فكان هذا البلد هو موطنه ومولده فاضطره قومه عند دعوتهم إلى الله تعالى إلى الخروج منه كرها بما نالوه به من الأذى ثم إن الله تعالى ظفره بهم وأدخله عليهم قهرا فملك البلد عنوة وملك رقاب أهله ثم من عليهم وأطلقهم وعفا عنهم فكان في تسليط نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا البلد وتمليكه إياه ولأمته من بعده ما دل على صحة نبوته فإن الله حبس عنه من يريد بالأذى وأهلكه ثم سلط عليه رسوله وأمته كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين" فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته إنما كان قصدهم تعظيم البيت وتكريمه واحترامه ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على من قال: اليوم تستحل الكعبة وقال: "اليوم تعظم الكعبة" وقد كان أهل الجاهلية غيروا دين إبراهيم وإسماعيل بما ابتدعوه من الشرك وتغيير بعض مناسك الحج فسلط الله رسوله وأمته على مكة فطهروها من ذلك كله وردوا الأمر إلى دين إبراهيم الحنيف وهو الذي دعا لهم مع ابنه إسماعيل عند بناء البيت أن يبعث فيهم رسولا منهم عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فبعث الله فيهم محمدا صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل بهذه الصفة فطهر البيت وما حوله من الشرك ورد الأمر إلى دين إبراهيم الحنيف والتوحيد الذي لأجله بني البيت كما قال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:٢٦] .
وأما تسليط القرامطة على البيت بعد ذلك فإنما كان عقوبة بسبب ذنوب