نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:٥٥] وقال: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً*ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً}[نوح: ١٧, ١٨] وأرانا دليلا في هذه الدار على إعادة الأجساد من التراب بإنبات الزرع من الأرض وإحياء الأرض بعد موتها بالمطر ودليلا على إعادة الأرواح إلى أجسادها بعد المفارقة بقبض أرواح العباد في منامهم وردها إليهم في يقظتهم كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر:٤٢] .
وفي مسند البزار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما ناموا عن الصلاة:"إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد فيقبضها إذا شاء ويرسلها إذا شاء".
استعدي للموت يا نفس واسعي ... للنجاة فالحازم المستعد
قد تيقنت أنه ليس للحي ... خلود ولا من الموت بد
إنما أنت مستعيرة ما سوف ... تردين والعواري ترد
* * *
فما أهل الحياة لنا بأهل ... ولا دار الحياة لنا بدار
وما أموالنا والأهل فيها ... ولا أولادنا إلا عواري
وأنفسنا إلى أجل قريب ... سيأخذها المعير من المعار
مفارقة الجسد للروح لا تقع إلا بعد ألم عظيم تذوقه الروح والجسد جميعا فإن الروح قد تعلقت بهذا الجسد وألفته واشتدت إلفتها له وامتزاجها به ودخولها فيه حتى صارا كالشيء الواحد فلا يتفارقان إلا بجهد شديد وألم عظيم ولم يذق ابن آدم حياته ألما مثله وإلى ذلك الإشارة بقول الله عز وجل:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥] قال الربيع بن خثيم أكثروا ذكر هذا الموت فإنكم لم تذوقوا قبله مثله.
ويتزايد الألم بمعرفة المحتضر فإن جسده إذا فارقته الروح صار جيفة مستقذرة يأكله الهوام ويبليه التراب حتى يعود ترابا وإن الروح المارقة له لا تدري أين مستقرها هل هو في الجنة أو في النار فإن كان عاصيا مصرا على المعصية إلى الموت فربما غلب على ظنه أن روحه تصير إلى النار فتتضاعف بذلك حسرته وألمه وربما كشفت له مع ذلك عن مقعده من النار فرآه أو يبشر بذلك فيجتمع له مع كرب الموت وألمه العظيم معرفته بسوء مصيره وهذا المراد بقول الله عز وجل: