{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}[القيامة:٢٩] على ما فسر به كثير من السلف فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت فلا يسأل عن سوء حاله وقد سمى الله تعالى ذلك سكرة لأن ألم الموت مع ما ينضم إليه يسكر صاحبه فيغيب عقله غالبا قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}[قّ: ١٩] .
ألا الموت كأس أي كأس ... وأنت لكأسه لا بد حاسي
إلى كم والممات إلى قريب ... تذكر بالممات وأنت ناسي
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكر الموت فقال:"أكثروا ذكر هادم اللذات الموت" وفي حديث مرسل أنه صلى الله عليه وسلم مر بمجلس قد استعلاه الضحك فقال "شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات الموت" وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها: أنه يحث على الإستعداد له قبل نزوله ويقصر الأمل ويرضى بالقليل من الرزق ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ويهون مصائب الدنيا ويمنع من الأشر والبطر والتوسع في لذات الدنيا وفي حديث أبي ذر المرفوع الذي خرجه ابن حبان في صحيحه وغيره: " أن صحف موسى كانت عبرا كلها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك عجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبت لمن رأى الدنيا وسرعة تقبلها كيف يطمئن إليها".
وقد رزي أن الكنز الذي كان للغلامين كان لوحا من ذهب مكتوب فيه هذا أيضا قال الحسن: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشا لا موت فيه وقال: فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لب بها فرحا وقال غيره: ذهب الموت بلذاذة كل عيش وسرور كل نعيم ثم بكى وقال: واها لدار لا موت فيها.
اذكر الموت هادم اللذات ... وتهيأ لمصرع سوف يأتي
غيره:
"يا غافل القلب عن ذكر المنيات ... عما قليل ستلقى بين أموات
فاذكر محلك من قبل الحلول به ... وتب إلى الله من لهو ولذات
إن الحمام له وقت إلى أجل ... فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها ... قد آن للموت يا ذا اللب أن يأتي