قال بعض السلف: شيئان قطعا عني لذاذة الدنيا: ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل.
كيف يلذ العيش من كان موقنا ... بأن المنايا بغتة ستعاجله
وكيف يلذ العيش من كان موقنا ... بأن إله الخلق لا بد سائله
قال أبو الدرداء: كفى بالموت واعظا وكفى بالدهر مفرقا اليوم في الدور وغدا في القبور.
اذكر الموت وداوم ذكره ... إن في الموت لذي اللب عبر
وكفى بالموت فاعلم واعظا ... لمن الموت عليه قد قدر
غفلة الإنسان عن الموت مع أنه لا بد له منه من العجب والموجب له طول الأمل.
كلنا في غفلة والمـ ... ـوت يغدو ويروح
لبنى الدنيا من المـ ... ـوت غبوق وصبوح
سيصير المرء يوما ... جسدا ما فيه روح
بين عيني كل حي ... علم الموت يلوح
نح على نفسك يا مسكـ ... ـين إن كنت تنوح
لتموتن ولو عمـ ... ـرت ما عمر نوح
لما كان الموت مكروها بالطبع لما فيه من الشدة والمشقة العظيمة لم يمت نبي من الأنبياء حتى يخير ولذلك وقع التردد فيه في حق المؤمن كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه" كما رواه البخاري.
قال ابن أبي المليكة: "لما قبض إبراهيم عليه السلام قال الله عز وجل له: كيف وجدت الموت؟ قال: يا رب كأن نفسي تنزع بالبلى فقال: هذا وقد هونا عليك الموت" وقال أبو إسحاق: قيل لموسى عليه السلام: كيف وجدت طعم الموت قال: وجدته كسفود أدخل في صوف فاجتذب قال: هذا وقد هونا عليك الموت ويروى أن عيسى عليه السلام كان إذا ذكر الموت يقطر جلده دما وكان يقول للحواريين: ادعوا الله أن يخفف عني الموت فلقد خفت الموت خوفا أوقفني مخافة الموت على الموت.