للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وربما أصابت آخرين رعدةٌ وخوفٌ عند روايتهم لحديثه (١) ، أخرج البخاري ومسلم واللفظ له عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"، وأخرج البخاري عن عبد اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أنه قَالَ لأبيه اِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُحَدِّثُ فُلانٌ وَفُلانٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" (٢) .

ومن هنا بدأت عناية السلف الأول بالسنة النبوية، حفظاً في الكتب والصدور، وروايتها لمن بعدهم بالإسناد المتصل، بنقل الثقة عن الثقة، مع نقدهم لأسانيدها ومتونها، وتحريهم عن أحوال رواتها، ودلائل هذه العناية ثابتة، ونتائجها معروفة، فقد أرسوا قواعد نقد النصوص، حتى شهد لهم العدو قبل الصديق، ويمكننا أن نجتزئ شيئاً يسيراً من عملهم في هذا المجال، أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عَنْ طَاوُسٍ قَالَ جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ - فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُ فَقَالَ لَهُ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ فَقَالَ لَهُ – بشير - مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَأَنْكَرْتَ هَذَا، أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَعَرَفْتَ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُول، تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ (٣) .


(١) انظر الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٢٠٤-٢٠٦.
(٢) صحيح البخاري ١/٣٥، ومقدمة صحيح مسلم ١/١٠.
(٣) مقدمة صحيح مسلم ١/١٢-١٣.

<<  <   >  >>