[أسباب تفاوت شروط الرواية بين المحدثين وكتاب التأريخ والسير]
إذا عرفنا شروط قبول الرواية – ولو إجمالاً – عند المحدثين، فلعلنا نتلمس أسباب تفاوت المعايير بين المصنفين في الحديث النبوي والمصنفين في السير والتأريخ، وهي كما سيرى القارئ بعضها متعلق ببعض، ومرتبط به، ومبني عليه، لكن التقسيم الفني لا يمنع من تفريقها وتنويعها.
أول الأسباب – في نظري – وأولاها هو الغرض من التصنيف والجمع، فالمحدثون غرضهم جمع الأدلة التي يمكن أن تستنبط منها الأحكام الشرعية المختلفة، ومن ذلك ما يدخل تحت مسمى السيرة النبوية، وعادة أن من يريد الاستدلال على أمر فإنه لا يورد له إلا ما كان مقبولاً عنده، أو صالحاً للانجبار في نظره على الأقل، أما المصنفون في السيرة فإن اهتمامهم بالسيرة أشمل وأوسع، فيهمهم أن يجمعوا فيها أموراً كثيرة لا تشغل - عادة - بال المحدثين، ومن ذلك مثلاً تحديد مواقع الغزوات جغرافياً، وتواريخها، وأسماء من حضرها، وقبائلهم وأسنانهم، وخيلهم ومراكبهم، وتفاصيل أخرى دقيقة لا ينبني على أكثرها حكم شرعي.
والأمر الثاني: - مبنيٌ على السابق - وهو الشيوخ الذين أخذ عنهم كل من الطائفتين، ودرجة كل منهم، فتلك التفاصيل والجزئيات اليسيرة، إذا لم يجدها المحدث بإسناد يرضاه ربما زهد في أخذها عن ذلك الشيخ الذي يرويها له، وربما أخذها عنه لكنه أهمل روايتها فيما بعد، كما أن كثيراً من الأخبار والمعلومات ما يكون متداولاً بين الناس، وربما كان مشهوراً عندهم، لكنهم