والقضاء البدوى أو العرف الذي تعمل فيه العشائر في كل مكان من الأردن والعراق وسورية والجزيرة العربية ومصر لا يختلف كثيرا أو قليلا عن القضاء المعمول به في جبال جرجرة سواء تيزي وزو أو بجاية أو حتى التوارق، فنظام "الجماعة" هو ذاته في المشرق والمغرب وهو على كل حال يستحق الدراسة المفصلة، ولعل التشابه ليس فقط في أسلوبه، بل وفي هدفه، ذلك أنه يهدف في جرجرة وعسير وردفان إلى إيجاد نوع من التناغم بين القوانين التي كانت سائدة قبل الإسلام والشريعة الإسلامية نفسها دون إحداث خلل كبير في البنية الاجتماعية وهذا يدل على عبقرية المجتمع العربي في كل مكان من المشرق والمغرب، فالإسلام كما هو معروف أكد في تشريعه القرآني كثيرا من القوانين والعادات التي كانت قبله وطور بعضها وألغى البعض الآخر وحاول أن يطور النظام القبلي برمته، فمن جهة يقر العشائرية والقبلية {وجعلناكم شعوبا وقبائل يعارفوا} ومن جهة يقيم الدولة على أسس إيديولوجية وهي الدين، أي أن هناك محاولة واضحة للعبور بالمجتمع من مرحلة العشائرية إلى القومية إلى الأممية عبورا سلسا وهادئا دون صراع قبلي أو عرقي.
وهكذا نجد أن مهمة القضاء البدوي في المشرق والمغرب هي نزع فتيل هذه الصراعات وتطويع القوانين القديمة مع الشريعة الجديدة، ونلاحظ هنا أن القوانين القديمة متشابة فالبربر يتشددون كما يشير أبو يعلى الزواوي في قضايا الجنس وكذلك البدو في الجزيرة والشام .. وأي دارس لمسألة تطور مفهوم الجنس عند العرب -وهناك كتب هامة تناولت هذا الموضوع ومنها كتاب الزواج عند العرب- يجد أن المجتمع في جرجرة وصحراء الجزائر