إلا أن توكيد تصيبن أحسن لاتصال بلا فهو بذلك أشبه بالنهي كقوله تعالى:{لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}[الأعراف: ٢٧] ، بخلاف قول الشاعر فإنه غير متصل بلا فبعد شبهه بالنهي، ومع ذلك فقد سوغت لا توكيده, وإن كانت منفصلة فتوكيد تصيبن لاتصاله أحق وأولى. هذا كلامه بحروفه.
تنبيهان: ما اختاره الناظم هو ما اختاره ابن جني. والجمهور على المنع. ولهم في الآية تأويلات: فقيل لا ناهية والجملة محكية بقول محذوف هو صفة فتنة فتكون نظير:
١٠١٢- جاءوا بِمَذْقٍ هل رَأيتَ الذِّئبَ قَطْ
وقيل لا ناهية، وتم الكلام عند قوله: فتنة، ثم ابتدأ نهي الظلمة عن التعرض للظلم
ــ
القريبة لها أي: لجمزة محبوبته وتلحينها خبر الجارة أن ألغيت لا وخبر لا إن أعملت عمل ليس من لحيته ألحاه إذا لمته وفيها بمعنى عنها والضمير لجمزة وتقدير عجز البيت: ولا الضيف محول عنها إن أناخ أي: نزل. وجمزة بالجيم والزاي نقله شيخنا وقوله: وخبر لا إن أعملت عمل ليس أي: بناء على القول بجواز عملها في المعرفة, والذي في المغني بها بالباء بدل اللام وعليه فالباء ظرفية والضمير المجرور بها عائد إلى أرض المحبوبة, وكذا الضمير في فيها وفيها حال من الضيف صرح بذلك الدماميني. قوله:"ما اختاره الناظم" أي: من جواز التوكيد بعد لا النافية على قلة. قوله:"على المنع" أي: منع التوكيد بالنون بعد لا النافية إلا في الضرورة. قوله:"بقول محذوف هو صفة فتنة" والتقدير واتقوا فتنة مقولًا فيها لا تصيبن إلخ أي: وفي لا تصيبن إلخ تحويل النهي الآتي بيانة في الوجه الثاني ويحتمل عندي تنزيل الفتنة منزلة العاقل الذي ينهى فلا تحويل.
قوله:"فأخرج النهي عن إسناده للفتنة" يعني أن النهي وإن كان باعتبار القصد الأصلي عن تعرض المخاطبين للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة, والأصل لا تتعرضوا للظلم فتصيبكم الفتنة خاصة, لكنه حول في العبارة عن إيقاعه على هذا التعرض إلى إيقاعه على الإصابة المسببة عنه, وأوقع الذين ظلموا موقع ضمير خطاب جماعة الذكور تنبيهًا على أنهم إن تعرضوا كانوا ظالمين, فقول الشارح: أخرج أي: حول. وقوله: عن إسناده أي: إيقاعه وصلته محذوفة أي: إسناده للتعرض للظلم, وقوله: للفتنة متعلق بأخرج واللام بمعنى إلى مع حذف أي: إلى إسناده لإصابة الفتنة أي: تنزيلًا للمسبب منزلة السبب. وعلى هذا فالإصابة خاصة بالمتعرضين؛ لأن مفعول الإصابة هو فاعل التعرض بخلاف الوجه الأول ومن في منكم على هذا لبيان الجنس لا للتبعيض لئلا ينقسم