تنبيه: النحو في الاصطلاح هو العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها. قاله صاحب المقرب فعلم
ــ
عليها الجملة. قوله:"العلم" أي القواعد المعلومة أي التي من شأنها أن تعلم لا ما علم بالفعل لأن النحو له حقيقة في نفسه سواء علم أو لم يعلم فهو مجاز على مجاز بحسب اللغة، والعلاقة في الأول التعلق بين المصدر وما اشتق منه، وفي الثاني الأول، وإن كان مجازا فقط بحسب العرف علاقته الأول لأن إطلاقه على القواعد المعلومة بالفعل حقيقة عرفية كإطلاقه على الملكة أي الكيفية الراسخة في النفس التي يقتدر بها على استحضار ما كانت علمته واستحصال ما لم تعلمه. وأما إطلاقه على الإدراك فحقيقة لغة وعرفا. وأما إطلاقه على فروع القواعد أي المسائل الجزئية المستخرجة منها بجعل القاعدة كبرى لصغرى سهلة الحصول هكذا زيد من قام زيد فاعل وكل فاعل مرفوع فزيد من قام زيد مرفوع فمجاز عند الحكماء. حقيقة عرفية عند علماء الشريعة والأدب كما نقله البعض عن سري الدين. والمجاز على المجاز جائز عند البيانيين والأصوليين إلا الآمدي كما في البحر المحيط في الأصول للزركشي فنقل شيخنا السيد المنع عن الأصوليين فيه نظر. والباء في قوله بالمقاييس للتصوير. وما ذكرناه من أن العلم هنا بمعنى القواعد والباء للتصوير هو اللائق هنا لا الإدراك ولا الملكة سواء جعلنا الباء للسببية متعلقة بالمستخرج إذ لا يستخرجان بالمقاييس المذكورة، أو جعلناها للتصوير إذ لا يتصوران بها ولا الفروع وإن قال به البعض لأنه يلزم عليه كما قاله شيخنا أن لا تسمى تلك القواعد نحوا وفيه ما فيه بل الظاهر أنها هي النحو فتأمل. وخرج بالمستخرج العلم المنصوص في الكتاب أو السنة.
قوله:"بالمقاييس" بغير همز لأصالة الياء الأولى كما في معايش جمع مقياس وهو ما يقاس عليه الشيء ويوافق به من القواعد الكلية. قوله:"من استقراء كلام العرب" من إضافة الصفة إلى الموصوف أي من كلام العرب المستقرأ أي من أحوال أجزائه ففي العبارة حذف مضافين وإن أوّلت الكلام بالكلمات كان فيها حذف مضاف واحد وخرج بهذا القيد المستخرج من الكتاب والسنة والطب ونحوه. قوله:"الموصلة" صفة للمقاييس وتوصيلها لمن بعد الصدر الأول كما أن استنباطها من الصدر الأول. فاندفع ما يقال: استنباط المقاييس من أحوال أجزاء كلامهم يقتضي سبق معرفة تلك الأحوال على استنباط المقاييس وتوصيلها إلى معرفة تلك الأحوال يقتضي تأخرها عنه وفي هذا تناقض وهو ظاهر ودور لتوقف المعرفة على المقاييس المتوقفة على المعرفة مع أن هذا إنما يرد إذا جعل الضمير في قوله أجزائه راجعا إلى عين كلام العرب، أما إذا جعل راجعا إلى جنس كلامهم لأن أحكام ما تكلموا به عرفت بنطقهم فلا تناقض ولا دور أصلا لأن السابق معرفة غير المتأخر معرفته حينئذٍ. وحاصل الدفع الأول اختلاف المعرفة باختلاف العارف. وحاصل الثاني اختلافها باختلاف المعروف وخرج بهذا القيد علم المعاني والبيان ونحوهما. قوله:"أحكام أجزائه" المراد بالأحكام ما يشمل الأحكام التصريفية والأحكام النحوية. قوله:"التي ائتلف منها" صفة للأجزاء والضمير في ائتلف يرجع إلى الكلام فالصلة جرت على غير ما هي له، ولم يبرز