ومراد هذا القائل كاد. ومن زعم هذا فليس بمصيب بل حكم كاد حكم سائر الأفعال، وأن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي وثابت إذا لم يصحبها. فإذا قال قائل: كاد زيد يبكي فمعناه قارب زيد البكاء، فمقاربة البكاء ثابتة ونفس البكاء منتف، وإذا قال: لم يكد يبكي فمعناه لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة، ولهذا كان قوله ذي الرمة:
٢٦٥- إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
صحيحًا بليغًا لأن معناه إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه، فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح لأنه قد يكون غير بارح وهو قريب من البراح بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربة البراح. وكذا قوله تعالى:{إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}[النور: ٤٠] ، هو أبلغ في نفي الرؤبة من أن يقال: لم يرها لأن من لم ير قد يقارب الرؤبة بخلاف من لم يقارب. وأما قوله تعالى:{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}[البقرة: ٧١] ، فكلام تضمن كلامين مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر. والتقدير
ــ
قوله:"ونفس البكاء إلخ" أي لأن القرب من الفعل يستلزم انتفاءه إذ لو حصل لكان الموصوف متلبسًا به لا قريبًا منه كذا قيل وقد يمنع الاستلزام وعبارة المغني لأن الأخبار بقرب الشيء يقتضي عرفًا عدم حصوله وإلا كان الاخبار حينئذٍ بحصوله لا بمقاربته إذ لا يحسن عرفًا أن يقال لمن صلى قارب الصلاة وإن كان ما صلى حتى قارب الصلاة. ا. هـ. ويمكن حمل الأول على هذا. قوله:"قول ذي الرمة" بضم الراء وتشديد الميم قطعة الحبل البالية واسمه غيلان قيل: لقب ذا الرمة لأنه أتى مية صاحبته وعلى كتفه قطعة حبل بالية فاستسقاها فقالت له: اشرب يا ذا الرمة فلقب به وقيل غير ذلك. قوله:"النأي" أي البعد. والرسيس يطلق على أول الشيء وعلى الشيء الثابت كما في القاموس. ومن بيانية لرسيس الهوى أو للهوى ويشير إلى الأول قول الشارح لم يقارب حبي ولو جرى على الثاني لقال: لم يقارب رسيس حبي ويبرح يذهب. قوله:"وأما قوله تعالى إلخ" جواب عما يقال لو كان خبر كاد المنفية منفيًّا بالأولى لكان قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا}[البقرة: ٧١] ، الآية متناقضًا ويوضح جوابه قول الرضي: قد يكون مع كاد المنفية قرينة تدل على ثبوت مضمون الخبر بعد انتفائه وانتفاء قربه فتكون تلك القرينة هي الدالة على ثبوت مضمونه في وقت بعد وقت انتفائه وانتفاء قربه لا لفظ كاد، ولا تنافي بين انتفاء الشيء في وقت ثبوته في وقت آخر وذلك كما في:{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}[البقرة: ٧١] . قوله:{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ضمير يفعلون عائد لضمير كادوا كما هو القاعدة من رجوع ضمير من الخبر إلى الاسم. قال يس: ولا مانع من كون مرجع الضمير ضميرًا. قوله:"فكلام إلخ"
٢٦٥- البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص١١٩٢؛ وخزانة الأدب ٩/ ٣٠٩-٣١٢؛ وشرح المفصل ٧/ ١٢٤، ولسان العرب ٦/ ٩٧ "رسس".