وهو اثنان رأى وعلم. والرابع ما يرد لهما والغالب كونه للرجحان وهو ثلاثة: ظن وخال وحسب.
تنبيه: إنما قال أعني رأى إلى آخره إيذانًا بأن أفعال القلوب ليست كلها تنصب مفعولين إذ منها ما لا ينصب إلا مفعولًا واحدًا نحو عرف وفهم، ومنها لازم نحو جبن وحزن. وهذا شروع في النوع الثاني من أفعال الباب وهي أفعال التصيير "والتي كصيرا" من الأفعال في الدلالة على التحويل نحو جعل واتخذ وتخذ ووهب وترك ورد "أيضًا بها انصب" بعد أن تستوفي فاعلها "مبتدا وخبرا" نحو:
٣٤٠- فصيروا مثل كعصف مأكول
ــ
فرق أفاده سم. قوله:"في الخبر" أي في ثبوته للمخبر عنه سم. قوله:"كصيرا" تضعيف صار أخت كان وربما أتى بالهمزة بدل التضعيف فقيل أصار كما في التسهيل. وأما صير بمعنى نقل تضعيف صار اللازم بمعنى انتقل فليست من أفعال هذا الباب. قوله:"نحو جعل إلخ" إنما قال نحو لإدخال ما زاده كثير من حذاق النحاة كما في الغزى وهو ضرب العامل في المثل نحو: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً}[النحل: ١١٢]{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ}[يس: ١٣] ، لكن الذي اختاره المصنف في تسهيله عدم عده من أفعال هذا الباب وعليه فهو بمعنى ذكر متعد لواحد والمنصوب الآخر بيان أو بدل وما زاده بعضهم من نبذ في نحو:{نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ}[البقرة: ١٠١] ، فكتاب الله مفعول أول ووراء مفعول ثان ولا يصح أن يكون ظرفا لنبذ لأن الظرف لا بد أن يكون حاويا لفاعل العامل فيه وذلك متعذر هنا كذا نقله غير واحد كالبعض عن ابن هشام وأقره، وهو يقتضي أن ما كان بمعنى نبذ كرمى وطرح مثلها في ذلك، وأن الظرفية للعامل لا تصح في نحو خلفت زيدا ورائي وأجلست عمرا أمامي وهو بعيد جدا، ثم رأيت الفاضل الروداني قال ينبغي أن لا يشك في بطلان هذه الدعوى إذ لا شك في صحة أبصرت الهلال في السماء وبين السحاب مع عدم احتواء الظرف على الفاعل. فالحق أن الظرف تارة يحوي الفاعل كدعوت الله في المسجد، وتارة يحوي المفعول كالذي مر، وتارة يحويهما معا كضربت زيدا في السوق فلا نسلم الحاق نبذ بأفعال التصيير.
قوله:"ووهب" وهو بهذا المعنى لازم المضي. قوله:"فصيروا مثل كعصف مأكول" هو عجز بيت من السريع الموقوف، فلام مأكول ساكنة وكاف كعصف قيل زائدة ومثل مضاف إلى
٣٤٠- الرجز لرؤية في ملحق ديوانه ص١٨١؛ وخزانة الأدب ١٠/ ١٦٨، ١٧٥، ١٨٤، ١٨٩؛ وشرح التصريح ١/ ٢٥٢؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٥٠٣؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٤٠٢؛ ولحميد الأرقط في الدرر ٢/ ٢٥٠؛ والكتاب ١/ ٤٠٨؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢/ ٥٢؛ والجني الداني ص٩٠؛ وخزانة الأدب ٧/ ٧٣؛ ورصف المباني ص٢٠١؛ وسر صناعة الإعراب ص٢٩٦؛ ولسان العرب ٩/ ٢٤٧ "عصف"؛ ومغني اللبيب ١/ ١٨٠؛ والمقتضب ٤/ ١٤١، ٣٥٠؛ وهمع الهوامع ١/ ١٥٠.