ببناء الأفعال للمفعول، والأسماء المذكورة رفع بالفاعلية لأفعال محذوفة، كأنه قيل: من يسبح؟ ومن يوحي؟ ومن زينه؟ ومن يبكيه؟ فقيل: يسبح رجال، ويوحي الله، وزينه شركاؤهم، ويبكيه ضارع. وهذا أولى من تقدير هذه المرفوعات أخبار مبتدآت محذوفة لاعتضاد التقدير الأول بما رجحه، أما الآية الأولى فلثبوته فيما يشبهها وهو:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف: ٩] ، وفيما هو على طريقتها وهو:{قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}[يس: ٧٩] ، {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}[التحريم: ٣] وأما البواقي فبالرواية
ــ
موضع مفعل اضطرارا. قوله:"لأفعال محذوفة" أي قياسا على الأصح إلا إذا توهم كون المذكور نائب فاعل فلا يجوز يوعظ في المسجد رجل على أن رجل فاعل فعل محذوف. قوله:"لاعتضاد التقدير الأول" لا يقال يعارض هذا كون جملة الاستفهام اسمية لاقتضاء ذلك كون الجواب كذلك للتناسب لأنا نقول قال السيد جملة السؤال فعلية حقيقة وإن كانت اسمية صورة لأن قولك من قام أصله أقام زيد أم عمرو أم بكر إلخ لا أزيد قائم أم عمرو أم بكر إلخ لأن الاستفهام للفعل أولى فاختصر وأتى بلفظ من الدالة إجمالا على تلك الذوات المفصلة ولتضمنها معنى الاستفهام وجب تقديمها على الفعل فصارت الجملة اسمية في الصورة فنبه بإيراد الجواب جملة فعلية على أصل السؤال فالمطابقة حاصلة باعتبار الحقيقة ولم يترك هذا التنبيه إلا لمانع هنا منه كما في آية: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام: ٦٣] ، فإن قصد الاختصاص هنا أوجب تقديم المسند إليه. ا. هـ. وفيه كما قال الروداني تبعا لحفيد السعد أن المسؤول عنه بالهمزة ما يليها ففي أخلق الله المشكوك فيه إنما هو صدور الخلق من خالقه أو أن الفعل المحقق صدوره من الله هل هو خلق أو غيره فعلى الأول يقال أخلق الله أم لم يخلق وعلى الثاني أخلق الله أم أرسل، وتقول أقام زيد أم لم يقم وأقام زيد أم ضرب ويقال إذا سئل عن الفاعل آلله خالق أم غيره وأزيد قائم أو عمرو فلا نسلم أن من خلق بمعنى أخلق لأنهم لا يشكون في صدور الخلق ولا في أن الفعل الصادر هو الخلق لا غيره وإنما السؤال عن الخالق أهو الله أم غيره فمن خلق حينئذٍ في معنى آلله خلق أم غيره فهو جملة اسمية لفظا ومعنى قال في الأطول ونكتة ترك المطابقة على هذا أن في رعايتها بإيراد الجواب جملة اسمية إيهام قصد التقوية وهو لا يليق بالمقام. ا. هـ. أي لأن التقوية شأن ما يشك فيه أو ينكر واعتبار ذلك هنا غير مناسب للمقام.
قوله:"فلثبوته فيما يشبهها" وجه الشبه أن كلا سؤال عن خلق السموات والأرض. فإن قلت هذا معارض بالمثل فيقال الدليل على أنه مبتدأ وقوعه كذلك كقوله تعالى:{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام: ٦٣] ، {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا}[الأنعام: ٦٤] . قلت وقوعه فاعلا أكثر والقليل لا يعارض الكثير. قوله:"وفيما هو على طريقتها" من حيث أن كلا سؤال عن شيء ولكون التناسب بين الآية الأولى والآية التي شبهها بها أتم منه بين الأولى وآية قال من يحيي العظام عبر في الأول بالشبه دون الثاني. قوله:"وأما البواقي" أي وأما اعتضاد التقدير