قصبات السبق في مضمار الإحسان. وأبرزوا ضمير القصة والشأن بسنان اللسان ولسان السنان. فهذا شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك. مهذب المقاصد واضح المسالك.
ــ
فائدة لأنه يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام منتخبا من لباب عدنان كونه منتخبا من خلاصة معد ولا عكس. قوله:"أحرزوا" أي حازوا وقوله قصبات السبق الخ كان من عادة العرب أن تغرز قصبة في آخر ميدان تسابق الفرسان فمن أعدى فرسه إليها وأخذها عد سابقا ففي الكلام استعارة تمثيلية إن شبه حال الصحابة في غلبتهم لمن قاواهم في الإحسان بحال السابقين على الخيل في الميدان في سبقهم إلى قصبة السبق بجامع مطلق حوز ما به الشرف، أو استعارة مكنية إن شبه في النفس الإحسان بساحة ذات ميدان وجعل إثبات المضمار أي الميدان تخييلا وإحراز قصبات السبق ترشيحا، أو استعارة مصرحة إن شبهت مراتب العلو بقصبات السبق وجعل المضمار ترشيحا والإحسان تجريدا والمراد بالإحسان إما معناه الشرعي المبين في حديث جبريل بقوله عليه الصلاة والسلام:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" أو مطلق الطاعة وهذا أقرب.
قوله:"وأبرزوا" أي أظهروا. وقوله ضمير القصة والشأن يحتمل أن المراد المضمر المستور الذي كان له قصة وشأن عظيمان وهو دين الإسلام فيكون تسميته مضمرا باعتبار ما كان. ويحتمل أن المراد ضمير القصة والشأن الاصطلاحي الواقع في قوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه}[محمد: ١٩] ففي الكلام حذف مضاف أي مفسر ضمير الخ لأن الذي أظهروه مفسره وهو لا إله إلا الله، أو مجاز مرسل علاقته المجاورة حيث سمي المفسر بكسر السين باسم المفسر بفتحها. قوله:"بسنان اللسان ولسان السنان" السنان نصل الرمح، والتركيبان إما من إضافة المشبه به إلى المشبه أي اللسان الذي كالسنان في التأثير والسنان الذي كاللسان في كثرة استعماله، أو من الاستعارة بأن يكون شبه في التركيب الأول كلام اللسان بالسنان في التأثير وشبه في النفس السنان في التركيب الثاني بالإنسان في صدور الفعل العظيم عن كل وأثبت له اللسان تخييلا، أو شبه طرف السنان الذي به الجرح باللسان في كثرة استعماله، وجعل شيخنا إطلاق لسان السنان على طرفه الجارح لا تجوز فيه ممنوع لأنه ليس من معاني اللسان الحقيقية كما يؤخذ من القاموس وغيره. وفي قوله بسنان الخ من أنواع البديع العكس وهو تقديم المؤخر وتأخير المقدم كقولهم عادات السادات سادات العادات. وقد اشتملت خطبته على أنواع أخر كبراعة الاستهلال والتورية في الفتح والرفع والماضي ونحوها. والطباق في الرفع والخفض والإيمان والبهتان والإفراط والتفريط. والجناس اللاحق في الأسد والجسد والتحقيق والتدقيق والمخل والممل، وكذا بين الأدراج والأبراج كما قاله شيخنا والبعض وإن جعل شيخنا السيد الجناس بينهما مضارعا لما سيأتي والجناس المضارع في خلا وعلا. والفرق بين الجناسين أن الاختلاف إن كان بحرف بعيد المخرج فاللاحق أو قريبه فالمضارع. ومعنى بعد المخرج أن يختلف الحرفان في جنس المخرج ومعنى قربه أن يتحدا في جنسه ويختلفا في شخصه.
قوله:"فهذا" اسم الإشارة راجع إلى الألفاظ الذهنية المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة على أرجح الأوجه فهو مستعار مما وضع له، وهو المبصر الحاضر للمعقول لشبهه به