لأن المذهب الثاني يقتضي أن التغيير الأول ليس إعرابًا لأن العوامل لم تختلف بعد وليس كذلك. والبناء في اللغة وضع شيء على شيء على صفة يراد بها الثبوت. وأما في الاصطلاح
ــ
ارتكاب التأويل فيه. وأنا أقول: يرد على هذا البعض قول النحاة: هذا اللفظ مبني بصيغة المفعول فإنهم اشتقوه من البناء وهو مفسر اصطلاحًا على القول بأنه معنوي بلزوم آخر الكلمة حالة واحدة الذي هو وصف للكلمة قطعًا لا بإلزام آخر الكلمة حالة واحدة فحيث لم يدل قولهم مبني على أن البناء وصف للفاعل لم يدل قولهم معرب على أن الإعراب وصف للفاعل. وحيث كان البناء اصطلاحًا وصفًا للكلمة بدليل تعريفهم له كان مقابله وهو الإعراب كذلك، وحينئذٍ يكون التغيير بمعنى التغيير ويكون الإعراب اصطلاحًا منقولًا من وصف الفاعل إلى وصف الكلمة بقرينة أن مقابله وهو البناء كذلك والجري على الأصل من أخصية المعاني الاصطلاحية إذا لم تقم قرينة على خلافه كما هنا، ويكون قولهم معرب ومبني باعتبار حال ما قبل النقل كما نقول بالنقل وباعتبارهم في قولهم معرب ومبني حال ما قبل النقل على القول بأن الإعراب والبناء لفظيان، ولذلك نظائر كقولهم هذه الكلمة منوّنة مع أن التنوين اصطلاحًا النون المخصوصة نعم إن أول اللزوم في تعريف البناء بالإلزام اندفع عن هذا البعض الإيراد وكان كل من الإعراب والبناء وصفًا للفاعل وكان قولهم معرب ومبني باعتبار ما بعد النقل أيضًا لكن يرجح ما قدّمناه تناسب القولين عليه وتواردهما على محل واحد أعني القول بأن الإعراب والبناء لفظيان والقول بأنهما معنويان لتوافقهما عليه على أن كلًا من الإعراب والبناء وصف للكلمة. نعم قد يطلق الإعراب على فعل الفاعل كما في قولك أعربت الكلمة لكن ليس هذا هو المعقود له الباب بقرينة اختلافهم في أنه معنوي أو لفظي إذ فعل الفاعل معنوي قطعًا هذا هو تحقيق المقام والسلام. ثم المراد بالتغيير الانتقال ولو من الوقف إلى الرفع أو غيره فلا يرد أن التعريف لا يشمل نحو سبحان اللازم النصب على المصدرية والإضافة في أواخر الكلم للجنس فاندفع الاعتراض بأن العبارة تقتضي توقف تحقق الإعراب على تغيير ثلاث أواخر مع أنه ليس كذلك. وفي العبارة مقابلة الجمع بالجمع المقتضية للقسمة آحادًا، فاندفع الاعتراض بأن العبارة تفيد أن لكل كلمة أواخر مع أن الكلمة الواحدة ليس لها إلا آخر واحد والمراد بالآخر الآخر حقيقة أو تنزيلًا لتدخل الأفعال الخمسة فإن إعرابها بالنون وحذفها وهي ليست الآخر حقيقة لأنها بعد الفاعل وهو إنما يأتي بعد الفعل، لكن لما كان الفاعل الضمير بمنزلة الجزء من الكلمة كانت النون بمنزلة الآخر، والمراد بتغيير الآخر ما يعم تغييره ذاتًا بأن يبدل حرف بحرف حقيقة كما في الأسماء الستة والمثنى المرفوع والمنصوب أو حكمًا كما في المثنى المنصوب والمجرور أو صفة بأن تبدل حركة بحركة حقيقة كما في جمع المؤنث السالم المرفوع والمنصوب أو حكمًا كما في جمعه المنصوب والمجرور. وإنما جعل الإعراب والبناء في الآخر لأنهما وصفان للكلمة والوصف متأخر عن الموصوف.
قوله:"لاختلاف العوامل الداخلة عليها" المراد بالاختلاف لازمه وهو الوجود ليدخل المعرب في أول أحواله أفاده الشنواني ومنه يؤخذ جواب اعتراض الشارح الآتي. وأل في العوامل للجنس والمراد بدخول العامل على الكلمة طلبه إياها ليشمل العامل المعنوي كالابتداء والعامل