المحول عن الفاعل في الصناعة "كطب نفسًا تفد" إذ أصله لتطب نفسك. فهذان لا يصلحان لمباشرتها، فلا يقال: عندي عشرون من عبد، ولا طاب زيد من نفس. ومنه نحو أنت أعلى منزلًا. ويجوز فيما سواهما نحو عندي قفيز من بر، وشبر من أرض ومنوان من عسل، وما أحسنه من رجل.
تنبيهات: الأول كان ينبغي أن يستثنى مع ما استثناه المحول عن المفعول نحو غرست الأرض شجرًا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}[القمر: ١٢] ، وما أحسن زيدًا أدبًا، فإنه يمتنع فيه الجر بمن. الثاني تقييد الفاعل في المعنى بكونه محولًا عن الفاعل في الصناعة
ــ
ماء لعدم صحة حمل الماء على الإناء ومقتضى المتن الصحة لأن التمييز في نحوه ليس فاعلا في المعنى ولا مفعولا وقد يدفع بأن الكلام في من المعهودة في جر التمييز وهي البيانية على أصح الأقوال كما سيأتي ومن في المثال ليست منها لأنها إما ابتدائية أو سببية ويؤخذ منه أن جر التمييز الفاعل في المعنى بمن غير المعهودة في جر التمييز كالابتدائية والسببية جائز ولا بعد فيه فتدبر.
قوله:"عن الفاعل في الصناعة" دخل فيه نحو زيد أطيب نفسا لأن التمييز فيه محول عن فاعل أفعل التفضيل صناعة والأصل زيد أطيب نفسه وإن كان رفعه الظاهر قليلا أو عن فاعل الفعل والأصل زيد طابت نفسه على ما أسلفه الشارح وقدمنا ما فيه فلا حاجة لزيادة غيره، أو عن المبتدأ. قوله:"ومنه" أي من الفاعل في المعنى المحول عن الفاعل في الصناعة أنت أعلى منزلا فمنزلا محول عن فاعل أفعل التفضيل صناعة والأصل أنت أعلى منزلك وإن كان رفعه الظاهر قليلا أو عن فاعل الفعل والأصل أنت علا منزلك كما أسلفه الشارح أي علوا زائدا على علو منزل غيرك فلا يرد أنه إذا قيل علا منزلك فات التفضيل مع أنه قد يمنع ضرر فواته كما قدمناه وفي التوضيح أنه محول عن المبتدأ والأصل منزلك أعلى فجعل المضاف تمييزا والمضاف إليه مبتدأ فارتفع وانفصل بعد أن كان متصلا مجرورا وهو أيضا صحيح وقد أسلفناه. قال شارح الجامع لا منافاة بين كونه فاعلا في المعنى ومحولا عن المبتدأ في الصناعة لأن ما صلح لأن يخبر بالتفضيل عنه صلح لأن يكون فاعلا في المعنى. قوله:"وأبرحت جارا" أي أعجبت. ويصح في التاء الكسر على خطاب المؤنث والفتح على خطاب المذكر ولا يتعين أن يكون مراد الشارح أبرحت جارا في قول الأعشى:
أقول لها حين جدّ الرحي ... ل أبرحت ربا وأبرحت جارا
حين يتعين الكسر كما قيل. نعم الأولى أن يكون مراده ذلك ليكون جارا في المثال متعينا لعدم التحويل لأن قصد الشاعر بقرينة سياقه مدحها بأنها نفسها جارة معجبة لا بأن جارها معجب حتى يكون محولا عن الفاعل ولم لم يكن مراد الشارح ذلك لاحتيج إلى أن يقال تمثيله بهذا