"والظرفية استبن ببا وفي وقد يبينان السببا. بالبا استعن وعد عوض ألصق. ومثل مع ومن وعن بها أنطق" أي تأتي كل واحدة من الباء وفي لمعان، أما في فلها عشر معان ذكر منها هنا معنيين: الأول الظرفية حقيقة ومجازًا نحو زيد في المسجد، ونحو: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٨٩] ، الثاني السببية نحو: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: ــ وفتحها بعض العرب مع الظاهر مطلقًا وكسرها خزاعة مع الضمير، وكسر الباء مطلقًا هو المشهور قال أبو حيان: وحكى أبو الفتح عن بعضهم فتحها مع الظاهر كذا في الهمع، قوله: "استبن" أي اطلب بيانها والدلالة عليها بما ذكر. قوله: "وقد يبينان السببا" قد للتحقيق بالنسبة إلى الباء، وللتقليل بالنسبة إلى في فهي من المشترك المستعمل في معنييه، أو هي للتحقيق فقط، فلا اعتراض بأن بيان السبب بالباء كثير لا قليل. قوله: "ومثل مع إلخ" حال من الضمير المجرور بالباء متقدمة عليه لجواز ذلك على مذهب المصنف كما مر، والمراد المثلية في أصل المصاحبة، فلا ينافي أن مدلول مع المصاحبة الكلية الملحوظة لذاتها، ومدلول الباء المصاحبة الجزئية الملحوظة لغيرها كما هو معنى الحرف على ما اشتهر عند المتأخرين وقد مر بيانه. قوله: "حقيقة" أي بأن يكون للظرف احتواء وللمظروف تحيز، فإن فقدا نحو في علمه نفع أو الاحتواء نحو زيد في سعة، أو التحيز نحو في صدر زيد علم، فمجاز ومنه الزمانية نحو زيد في يوم كذا أفاده يس. وقضية كلام المغني والهمع أن الزمانية حقيقة فتدبر. فإن قلت الظرفية في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر: ٤٥، الذاريات: ١٥] ، حقيقية بالنسبة إلى الجنات مجازية بالنسبة إلى العيون فيلزم استعمال كلمة في حقيقة، ومجازًا فما وجهه عند مانع ذلك. أجيب بأنه يجعل من عموم المجاز بجعل في مستعملة في ظرفية مجازية تناسبهما، وهي مطلق الملابسة ومن المكانية الحقيقية أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي إلا أن فيهما قلبًا؛ لأنه لما كان المناسب نقل المظروف للظرف والأمر هنا بالعكس قلبوا الكلام رعاية لهذا الاعتبار، ونظيرهما في القلب عرضت الناقة على الحوض؛ لأن المعروض ليس له اختيار، وإنما الاختيار للمعروض عليه فقد يقبل، وقد يرد لكن لما كان المناسب أن يؤتى بالمعروض عند المعروض عليه، والأمر هنا بالعكس قلبوا الكلام رعاية لهذا الاعتبار، وقيل: المقلوب عرضت الحوض على الناقة، وقيل: لا قلب في واحد منهما من الدماميني والشمني.