تنبيه: إنما جاز حذف المجرور بعد أفعل مع كونه فاعلًا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة فجاز فيه ما يجوز فيها. وذهب قوم منهم الفارسي إلى أنه لم يحذف, وأنه استتر في الفعل حين حذفت الباء ورد بوجهين: أحدهما لزوم إبرازه حينئذ في التثنية والجمع، والآخران من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كنا من أكرم بنا "وفي كلا الفعلين" المذكورين "قدمًا لزما منع تصرف بحكم حتما" ليكون مجيئه على طريقة واحدة أدل
ــ
الوضوح الذي هو قدر زائد على مجرد الفهم مع أن الظاهر الذي يدل عليه كلام التوضيح الاكتفاء بمطلق الفهم, وفي تعبيره بقد إشارة إلى الجواب بحمل الوضوح على الانفهام. قوله:"فشاذ" الأوجه عندي أنه ليس بشاذ وأنه لا يشترط هذا الشرط, بل المدار على وجود دليل المحذوف.
قوله:"لأن لزومه للجر إلخ" ولما لم يلزم الفاعل في نحو: كفى بزيد الجر امتنع حذفه وإن كان في حكم الفضلة بالنسبة للتأنيث, إذ لا يقال كفت بهند. قوله:"لزوم إبرازه حينئذٍ" أي: حين استتر في الفعل. وأجيب بأن عدم إبرازه لإلحاقه بضمير أفعل في نحو: ما أحسن زيدًا فكما لم يجمع الضمير في أحسن لم يجمع في أحسن به بجامع اتفاق الفعلين في المعنى أو لكونه في تركيب جرى مجرى المثل الذي لا يغير. قوله:"كنا من أكرم بنا" قد يقال لا مانع من أن يلتزم الفارسيّ امتناع الاستتار في نحو: هذا ويخص الاستتار بغيره مما يصح استتاره أفاده سم. قوله:"وفي كلا الفعلين" متعلق بلزم وكذا قدمًا؛ لأنه نصب على الظرفية أي: في الزمن القديم، وكذا بحكم. والباء في بحكم سببية وأراد بالحكم كون المجيء على طريقة واحدة أدل على المراد. فقوله ليكون إلخ بدل أو بيان من قوله بحكم حتمًا أو تضمنهما معنى التعجب كما قاله سم. قوله:"منع تصرف" اعلم أن عدم تصرف الفعل إما بخروجه عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان كنعم وبئس أو بالاستغناء عن تصرفه بتصرف غيره وإن دل على ما ذكر كيدع ويذر فإنه استغنى عن ماضيهما بماضي ترك وعدم تصرف فعل التعجب لكلا الأمرين.
٧٦١- البيت من الطويل، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص١٥؛ والأصمعيات ص٤٦؛ وشرح التصريح ٢/ ٩٠؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص٤٢٤؛ وشرح عمدة الحافظ ص٧٥٥؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٦٥٠؛ وله أو لحاتم الطائي في الأغاني ٦/ ٣٠٣؛ وخزانة الأدب ١٠/ ٩، ١٠/ ١٣؛ ولحاتم الطائي في الدرر ٤/ ٢٠٧؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في الأغاني ٦/ ٢٩٦؛ وأوضح المسالك ٣/ ٢٦٠؛ وشرح ابن عقيل ص٤٤٨؛ وهمع الهوامع ٢/ ٣٨.