وذهب قوم إلى أنها عهدية, ثم اختلفوا فقيل المعهود ذهني كما إذا قيل اشتر اللحم ولا تريد الجنس, ولا معهودًا تقدم وأراد بذلك أن يقع إبهام, ثم يأتي بالتفسير بعده تفخيمًا للأمر وقيل المعهود هو الشخص الممدوح, فإذا قلت زيد نعم الرجل فكأنك قلت زيد نعم هو. واستدل هؤلاء بتثنيته وجمعه ولو كان عبارة عن الجنس لم يسغ فيه ذلك. وقد أجيب عن ذلك على القول بأنها للاستغراق بأن المعنى أن هذا المخصوص يفضل أفراد هذا الجنس إذا ميزوا رجلين أو رجالًا رجالًا. وعلى القول بأنها للجنس مجازًا بأن كل واحد من الشخصين كأنه على حدته جنس فاجتمع جنسان فثنيا. الثالث لا يجوز اتباع فاعل نعم
ــ
لا لغيره من الجنس لا قصدًا ولا تبعًا. قوله:"فقيل المعهود ذهني" أي: حقيقة معينة في الذهن باعتبار وجودها في ضمن فرد مبهم, كما هو شأن مدخول لام العهد الذهني ثم فسر ذلك الفرد المبهم بزيد مثلًا. قوله:"ولا معهودًا تقدم" أي: في الذكر صريحًا أو كناية أو في العلم كما هو شأن مدخول لام العهد الخارجي. قوله:"تفخيمًا للأمر" أي: مدح ذلك الفرد؛ لأن التفسير بعد الإبهام أمكن في ذهن المخاطب وأوقع في نفسه. قوله:"وقيل المعهود هو الشخص الممدوح" أي: فتكون أل للعهد الخارجي. قوله:"فكأنك قلت زيد نعم هو" أي: فيكون الرجل من وضع الظاهر موضع الضمير وأل للعهد الخارجي الذكرى, وهذا ظاهر إذا قدم المخصوص كما في مثال الشارح فإذا أخر كما في نعم الرجل زيد فالظاهر أن الأمر كذلك, على القول بأن المخصوص مبتدأ خبره الجملة قبله لتقدم المرجع في الرتبة, وإن تأخر لفظًا بخلافه على القول بأنه مبتدأ حذف خبره, أو خبر مبتدأ محذوف فعليهما لا إظهار في مقام الإضمار, بل ولا تكون أل للعهد الذكرى حيث اشترط تقدم ذكر مدخولها كما هو قضية كلامهم. وانظر أل حينئذٍ لأي أقسام العهد الخارجي.
قوله:"واستدل هؤلاء" أي: القائلون بأن أل للعهد مطلقًا ذهنيا أو خارجيا كما يرشد إليه تعليله. قوله:"لم يسغ فيه ذلك" أي: لأن الجنس شيء واحد وإن أريد في ضمن جميع أفراده كما هو مراد القائل بأنها للجنس كما مر. قوله:"للاستغراق" أي: للجنس في ضمن جميع الأفراد حقيقة بتقريريه السابقين. قوله:"أن هذا المخصوص" أي: المثنى أو المجموع يفضل أي: يفوق أفراد هذا الجنس أي: جنس فاعل نعم المثنى أو المجموع, وأخذ الفضل من كونه المخصوص بالمدح. قوله:"إذا ميزوا" أي: فصلوا وقسموا رجلين رجلين أو رجالًا رجالًا أي: حالة كونهم, أي: أولئك الأفراد رجلين رجلين في المثنى أو رجالًا رجالًا في المجموع. وحاصله أن القائل نعم الرجلان أو الرجال ثنى أو جمع أولًا, ثم عرف بأل الجنسية فهي لجنس الاثنين في ضمن جميع أفراده التي هي مثنيات, ولجنس الجمع الذي في ضمن جميع أفراده التي هي جموع, وأما قول البعض وما ذكره لا يظهر إلا على القول بأن أفراد المثنى والجمع مثنيات وجموع وأما على القول بأن أفرادهما آحاد فلا ا. هـ. فغفلة؛ لأن محل الخلاف إذا لم تكن أل في المثنى لجنس الاثنين وفي المجموع لجنس الجمع, وإلا كانت أفراد المثنى مثنيات وأفراد الجموع جموعًا بلا خلاف للقطع