للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَنْ تَرَى في الناسِ مِن رَفِيقِ ... أولَى بِه الفَضْلُ مِنَ الصِّدِّيقِ

ــ

مضافًا أو مضافين وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء نحو: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل. وقالوا: أما أحد أحسن به الجميل من زيد، والأصل ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد، ثم أضيف الجميل إلى زيد لملابسته إياه ثم حذف المضاف الأول ثم الثاني. ومثله قوله -عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم" من أيام العشر. والأصل من محبة الصوم في أيام العشر، ثم من محبة صوم أيام العشر، ثم من صوم أيام العشر، ثم من أيام العشر. وقول الناظم "كلن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديق" والأصل من ولاية الفضل بالصديق ففعل به ما ذكر.

ــ

"فتقول من كحل عين زيد" قد يقال إذا قيل ذلك لم يكن المرفوع مفضلًا على نفسه بل على غيره بالذات, أما على أن أل في الكحل عوض عن ضمير الرجل فالتغاير بالذات ظاهر, وأما على أنها للجنس؛ فلأن الماهية الكلية مغايرة بالذات لفردها الجزئي إلا أن يختار الثاني, ويقال لما كان الفرد مندرجًا تحت الماهية الكلية كان كأنها نفسه والتغاير اعتباري فافهم. قوله: "فتحذف مضافًا" أي: إذا دخلت من على المحل وهو العين أو مضافين أي: إذا دخلت من على ذي المحل وهو زيد. قوله: "وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء" أي: اختيارًا وذلك إذا تقدم محل المفضل على أفعل كما في مثال الشارح, وكذا إذا تقدم صاحب محل المفضل على أفعل فيما يظهر كما في ما رأيت كزيد أحسن في عينه الكحل, فاقتصار البعض على الأول قصور ورأى بصرية على الظاهر, والكاف اسمية, وأحسن حال من مجرور الكاف على ما قاله البعض, ويلزم عليه مجيء الحال من المضاف إليه بدون شرطه أو كعين وأحسن صفتان لعينا محذوفة ويصح غير ذلك.

قوله: "وقالوا إلخ" أي: فأدخلوا من في اللفظ على غير المفضل عليه وهو ملابسه كما بينه الشارح فهو كقولك: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل من عين زيد, لكن مدخول من في هذا التركيب محل المفضل عليه حقيقة وفي ما أحد أحسن به الجميل من زيد ملابس المفضل عليه لا محله حقيقة؛ ولهذا ذكره الشارح هنا, ولم يكتف بقوله سابقًا وقد يحذف الضمير الثاني إلخ فافهم. قوله: "من حسن الجميل بزيد" كان عليه إسقاط حسن؛ لأن المفاضلة بين الجميل ونفسه باعتبارين. لا يقال الداعي إلى ذكره تعلق بزيد به؛ لأنا نقول على حذفه يكون بزيد حالًا من مجرور من كما في نظائره, ولا حاجة إلى ما نقله شيخنا, والبعض عن اللقاني وأقراه من التكلف. ومثل ذلك يقال في الحديث ومثال الناظم الآتي. قوله: "ما من أيام أحب" إلخ أفعل التفضيل فيه مصوغ من فعل المفعول ففيه شذوذ من هذه الجهة إلا على قول من يجعل الصوغ منه مقيسًا عند أمن اللبس, وكذا من جهة صوغه من زائد على الثلاثي إن كان من أحب الرباعي فإن كان من حب الثلاثي فلا شذوذ فيه إلا من الجهة الأولى, وبهذا يعلم ما في كلام البعض من المؤاخذة. قوله: "أولى" فيه شذوذ من جهة أنه لا فعل له؛ لأنه بمعنى أحق ولم يستعمل من هذه المادة فعل بهذا المعنى؛ لأن الفعل المستعمل منها ولي بمعنى تولى أو تبع وبهذا يعلم حسن قوله, ومتى عاقب فعلًا ولم يقل فعله ولا الفعل لئلا يخرج مثل هذا أفاده شيخنا نقلًا عن يس قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>