للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا ما قد يكون من خطأ أو نسيان، فإنه لم ير لزاما عليه أن يبسط منها إلا بضعة أمثلة لها طابعها الخاص. كان يمكن لهذه الطريقة التفريقية أن تجر إلى عيب تمزيق المادة بقطع العرى التي تربط مواضع الاستيعاب والبسط بعضها ببعضها، ولكن المؤلف تجنب هذا العيب بطريق التحايل. لأن اللغة، ككل ما يمت إلى التاريخ والحياة بسبب، تكون ميدانا متصلا بمعنى أن ظواهرها لا تفصل بينها حدود متميزة. وأن الإنسان يتدرج بين القمم التي فيها يتجلى كل واقع على أتمه في سلسلة من المراتب غير المحسوسة. ومن ثم كان يكفي أن يشغل ما بين مواضع البسط والاستيعاب بمراحل انتقال طبيعية، بمعنى أنها مستعارة من طبيعة الحقائق المدروسة نفسها. فلو أن هذا الكتاب قد ادعى أنه يحوي الحقيقة الواقعة كاملة في قوالب قد تكون تجريدية محكمة التسلسل، فربما كان قد بدا عليه مآخذ من الجهل الفاضح، لكنه سترها باختياره لنظام مرن يطبقه على حقائق اختيرت مقدما، ويتتبع معالمها عن كثب بدلا من أن يتبع نظاما صارما كاملا واضح المعالم متميز الخطوط.

يستطيع المؤلف، وقد سلك هذا المسلك، أن يغتبط بأن جعل مهمته ممكنة دون أن يقلل ذلك من فائدتها. فهو لا يقدم للقارئ متنافي علم اللغويات العامة، بل أراد فقط أن يعطيه فكرة عن هذا العلم وعن المسائل التي يعالجها والنتائج الأساسية التي وصل إليها.

لكن المشروع رغم تحديده بهذا المنهاج قد يبدو على جانب كبير من الجرأة. أما ما حفز المؤلف على المضي فيه فهو العون القيم الذي لقيه من طائفة من الأصدقاء تفضلوا بالاهتمام بمؤلفه، فيسره هنا أن يقدم لهم شكره. فالأستاذ ا. مييه، وهو الذي أوحى إلى المؤلف بعمل هذا الكتاب، قد أخذ على عاتقه عبء قراءة المخطوط وناقش المؤلف في أكثر من مسألة من بين المسائل التي عالجها، فلعل القارئ يلمس معالم تأثيره! كذلك راجع المخطوط كاملا زميل وصديق آخر هو الأستاذ جيل بلوك Jules Bloch وأفاد المؤلف بملاحظات عديدة. وأخيرا لا يسع المؤلف إلا أن ينوه بما في عنقه من دين

<<  <   >  >>