للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما تمتد إلى فروع مجاورة من فروع المعرفة، فإنه يمكن للناظر فيه أن يعترف بما له من وحدة جاءت بها وجهة النظر التي وضعها المؤلف نصب عينيه. وقد بدا من المفيد للمؤلف، في بعض مناسبات نادرة، أن يكمل النتائج المستخرجة من علم اللغة بالإغارة على حرمة أحد العلوم المتصلة بعلم اللغة، وهو يرجو ألا تكون مخالفته للقاعدة خالية مما يبررها. فهو على وجه العموم، قد اقتصر على عرض الوقائع عرض عالم لغوي، معتبرا أن تلك خير الوسائل لإفادة أصحاب العلوم الأخرى الذين لا يستطيع أن يأتيهم بشيء ذي بال في ميدانهم الخاص.

هذا وأن المبدأ الذي اتخذناه كان من شأنه أن يجعل مهمتنا على جانب من الصعوبة. لأن من يدرس اللغة بوصفه عالما لغويا يجد نفسه مسوقا بكل بساطة إلى وضع رسالة في اللغويات العامة. ولكن كل من له اتصال بالنواحي اللغوية يعلم أنه لا يكاد يوجد مشروع أكثر خطورة من هذا المشروع. إذ لا بد لنجاحه من إنسان قدير على الإحاطة بكل صيغ الكلام المعروفة، منقطع لممارسة جميع اللغات المتكلمة على وجه الكرة الأرضية، فهل يمكن العثور على هذا الإنسان المثالي؟ إن هذا ليدعو إلى الشك. أما لو كان الأمر يدور حول تعيين واحد من بين الأحياء كثيرا على العارفين. لكن الواقع أنه لم يظهر حتى الآن كتاب واحد حقق منهاجا كاملا لعلم اللغويات العامة١.

لا حاجة إلى القول بأن هذا الكتاب لم يبلغ في تحقيق هذا الحلم أكثر من غيره. فالمكان المحدود الذي منح للمؤلف يفسر تفسيرا كافيا، دون حاجة لذكر أسباب أخرى، لماذا لم يحاول المؤلف الإقدام على هذه المغامرة. فقد تظاهر بأن اعتبر كل واحد من الوقائع التي يدرسها قطعة منفصلة من تاريخ شاسع لم يدون بعد. ومع أنه قد استعرض مسائل علم اللغة الأساسية دون أن يهمل منها واحدة,


١ لم يصبح ذلك كله حقا منذ أن نشر في سنة ١٩١٦ كتاب فرديناند دي ساستور رقم ١٢١، ولكن هذا الكتاب، الذي لم ينشر إلا بعد موت المؤلف، رغم وفرة الآراء التي يقدمها ليس عرضا منهجيا كاملا لعلم اللغويات العامة "انظر مييه رقم ٤ مجلد ٢٠، ص٣٢".

<<  <   >  >>