للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة وسيلة للعمل كانت لها غاية عملية، فيجب إذن أن ندرس الروابط التي تصلها بمجموع النشاط الإنساني، بالحياة نفسها لندركها تمام الإدراك.

أشرنا فيما سبق إلى "حياة اللغة"، وأبنا ما تحتمل هذه الاستعارة من بعد عن الصواب ومن إيقاع في اللبس، ولكن برغم ذلك يمكننا استعمالها على أنها فرض يوجه البحث ويجعل العرض التعليمي سائغا. ولكن المسائل التي جعلناها موضوع بحثنا حتى الآن ليست إلا تجريدات خلقها عقول علماء اللغة، وإنه لمن سوء التعبير، أو يكاد، أن نعبر بحياة اللغة عما هو خال من الحياة، عن الأصوات والأشكال النحوية والكلمات. فالحياة التي نحن بصددها الآن إن هي إلا مجموعة الظروف التي بين حدودها تموج الإنسانية، ما هي إلا الحقيقة الواقعية في تطوراتها التي لا تنتهي. واشترك اللغة في الحياة بهذا المعنى أمر بين، بل أكثر من البين. ولكن ليس أمامنا في هذه الحال نظام نظري يتكون من مبادئ تجريدية. بل نرانا أمام لغات تتكلم على سطح البسيطة بصور متنوعة.

الفرق بين اللغة LANGAGE واللغات، أن اللغة هي مجموعة الإجراءات الفسيولوجية والسيكولوجية التي في حوزة الإنسان لتمكنه من الكلام. أما اللغات "الألسن" LANGUES فهي استعمال هذه الإجراءات بصورة عملية. فيجب إذن، للوصول إلى تعريف كلمة لغة "بمعنى اللسان LANGUE" أن نخرج من محيط الفصول السابقة وأن ندرس الدور الذي تقوم به اللغة بمعنى LANGAGE في المجتمعات الإنسانية المنظمة.

أول فكرة تتبادر إلى الذهن هي فكرة الربط بين اللغة والجنس. بل إن المتن الكبير الوحيد الذي ألف في علم اللغة العام. ونعني كتاب فريدرش ملر Friedrich Muller١ ينبني على هذه الفكرة. ففيه تستعرض لغات الشعوب المجعدة الشعر واحدة فواحدة ثم لغات الشعوب الملساء الشعر، فهو يصنف اللغات وفقا للمميزات الإتنولوجية. ولا شيء أشد غرابة على القارئ من هذا الترتيب، ولكن المبدأ الذي يقوم عليه، وهو أمر أكثر خطورة، لا يثبت طويلا أمام


١ رقم ١٨٥، وانظر أيضا بيرن Byrne: رقم ١٣١، مجلد ١، ص٤٥.

<<  <   >  >>