للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البحث إذ أن الأحكام التي تطلق على الأجناس يجب أن تؤخذ دائما بكثير من التحفظ١ فمهما قيل في الدور الذي تلعبه التغيرات التي تصيب الجنس في تلك التي تصيب اللغة، فلا نستطيع أن نقول بوجود روابط ضرورية بين هاتين الفكرتين إذ لا ينبغي الخلط بين المميزات الجنسية المختلفة التي لا يمكن تحصيلها إلا بالدم وبين النظم من لغة ودين وثقافة التي تعد أعيانا قابلة للنقل، تعار وتتبادل٢. ونحن نرى بمجرد إلقاء نظرة على خريطة لأوربا اللغوية في العصر الحاضر أن وحدة اللغة تظل تحتها أخلاطا من الأجناس. فالزنجي أو الياباني الذي يربى في فرنسا في ظروف واحدة مع الأطفال الفرنسيين يتكلم الفرنسية كأنه أحد أبنائها. وهذه الحقيقة تكفي لجعل كل محاولة تعمل للتوحيد بين اللغة والجنس عبثا لا طائل وراءه.

أفنذهب على الأقل إلى القول بأن كل لغة تقابلها عقلية معينة؟ الواقع أن علم النفس يتكلم عن عقلية فرنسية وعقلية ألمانية، فلا بد أن تعبر اللغة عن الفرق الذي يفصل بينهما، إذا صح أن اللغة ليست في الواقع إلا التعبير عن العقلية. هذا المنطق الذي لا غبار عليه من حيث المبدأ عسير التحقيق لأنه يصطدم باعتراضات عديدة.

أول ما يجب تجنبه الحكم باختلاف العقلية باختلاف الدماغ. لأننا إن فعلنا ذلك أقحمنا من جديد فكرة الجنس في مسألة سيكلوجية. فحتى في حالة المقارنة بين الزنجي والأبيض لا نجد أي دليل على أن لون البشرة أو شكل الشفتين يقابله دماغ خاص ينتج تفكيرا مختلفا عن تفكيرنا.

هذا المنطق، على أية حالة، لا يمكن تطبيقه على أفراد كلهم من الجنس الأبيض ليست بينهم اختلافات جنسية أساسية وإننا نعرف أن لون العينين أو البشرة أو شكل الجمجمة كلها لا تقدم لنا مقياسا يصلح للتمييز بين الألماني والفرنسي من الوجهة الجنسية نفسها. فمن باب أولى من الوجهة اللغوية. ومع ذلك فليس من شك في أن كلا من الشعبين له عقلية خاصة، وأذواق وعادات وأمزجة وطنية، ولكن


١ ا. رينان رقم ١١١.
٢ هويتني WHITNEY رقم ١٢٩، ص٢٣١.

<<  <   >  >>