درجة تستطيع الكتابة أن تمثل النطق. فبعض أنواع الرسم تدين بتعقيداتها إلى الرغبة في تعليم القارئ نطق الكلمات على أدق صورة ممكنة, وتنشأ هذه التعقيدات في غالب أمرها في الخارج. فالعناية التي تبذلها اللغة في تسجيل الأصوات ترجع إذن إلى انتشار اللغة بين أقوام لم يكونوا يتكلمونها بسليقتهم, وهكذا تطور استعمال النبرات على الكلمات الإغريقية في مصر، حيث كان يتكلم الإغريقية أناس من غير الإغريق، فكانوا في حاجة إلى العناية بمعرفة الموضع الذي ينبر في الكلمة, وكذلك كان بدء تعليم الكتابة السامية بالحركات في بلاد الحبشة لما دخلت فيها اللغة العربية, إذ إن النصوص الحبشية الأولى مكتوبة بخط سيئ خال من الحركات، فالكتابة الحبشية أول كتابة سامية اتجهت إلى تعليم الحركات، وهذا شيء لا بد منه بالنسبة لقوم لم يتعودوا بعد النظام الصرفي السامي المعقد. وكان ذلك تقدما لا ريب فيه، جعل من الكتابة صورة من الكلام أقرب إلى الحقيقة.
ومع ذلك فلا يوجد رسم واحد يمثل اللغة المتكلمة كما هي, فإننا إذا تصورنا رسما مما يسمى بالرسم الصوتي، وقد زود بحروف متنوعة وبعلامات للتشكيل، فإن هذا الرسم لا يتيح معرفة النطق الحقيقي معرفة تامة لشخص لم يسمع الكلام باللغة التي يقرؤها. ومن ثم كان من المعتاد في كتب الأصوات أن تصور الأصوات اعتمادا على لغة معروفة للقارئ لا على الجهاز الصوتي للإنسان, وهذه الطريقة أبسط وأدق من غيرها, فيقال إن هذه العلامة أو تلك تمثل الـTH "ث" الإنجليزية الرخوة، أو الراء البارسية أو الـCH الألمانية الصلبة "خ", وأفضل من ذلك أن يقال مثلا إن الحركة الفلانية هي الـa "الفتحة" الفرنسية في كلمة كذا إذا نطقت على الطريقة الباريسية. وإن كان لا يستفيد من هذا التحديد من لم يسمع كلام إنجليزي أو ألماني أو باريسي.
ولكن هذه الوسيلة أيضا غير كافية. لأن القارئ، مهما سوعد بمقابلات دقيقة في اللغات التي يعرفها، لا يستطيع إدراك أصوات لغة جديدة وأن يقوم بتحقيقها دون أن يسمع نطقها بنفسه. ذلك لأن اللغة المتكلمة من التعقيد بحيث