فإن الله سبحانه أنزل لباسين: لباسا ظاهرا يوارى العورة ويسترها، ولباسا باطنا من التقوى، يُجَمِّل العبد ويستره، فإذا زال عنه هذا اللباس انكشفت عورته الباطنة، كما تنكشف عورته الظاهرة بنزع ما يسترها.
أى: إلا كراهة أن تكونا ملكين، وكراهة أن تخلدا فى الجنة، ومن هاهنا دخل عليهما لما عرف أنهما يريدان الخلود فيها، وهذا باب كيده الأعظم الذى يدخل منه على ابن آدم، فإنه يجرى منه مجرى الدم حتى يصادف نفسه ويخالطها، ويسألها عما تحبه وتؤثره، فإذا عرفه استعان بها على العبد، ودخل عليه من هذا الباب، وكذلك علم إخوانه وأولياءه من الإنس إذا أرادوا أغراضهم الفاسدة من بعضهم بعضا أن يدخلوا عليهم من الباب الذى يحبونه ويهوونه، فإنه باب لا يخذل عن حاجته من دخل منه، ومن رام الدخول من غيره فالباب عليه مسدود، وهو عن طريق مقصده مصدود.
فشام عدو الله الأبوين، فأحسَّ منهما إيناساً وركوناً إلى الخلد فى تلك الدار فى النعيم المقيم فعلم أنه لا يدخل عليهما من غير هذا الباب، فقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، وقال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
وكان عبد الله بن عباس يقرؤها ملكين بكسر اللام، ويقول: لم يطمعا أن يكونا من الملائكة، ولكن استشرفا أن يكونا ملكين فأتاهما من جهة الملك، ويدل على هذه القراءة قوله فى الآية الأخرى:{قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}[طه: ١٢٠] .
وأما على القراءة المشهورة فيقال: كيف أطمع عدو الله آدم عليه السلام أن يكون بأكله من الشجرة من الملائكة، وهو يرى الملائكة لا تأكل ولا تشرب؟ وكان آدم عليه السلام أعلم بالله وبنفسه وبالملائكة من أن يطمع أن يكون منهم بأكله، ولا سيما مما نهاه الله عز وجل عنه؟،
فالجواب: أن آدم وحواء عليهما السلام لم يطمعا فى ذلك أصلاً، وإنما كذبهما عدو الله وغرَّهما، وخدعهما بأن سمى تلك الشجرة شجرة الخلد، فهذا أول المكر والكيد ومنه ورث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التى تحب النفوس مسمياتها، فسموا الخمر: أم الأفراح،