للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسموا أخاها بلقيمة الراحة، وسموا الربا بالمعاملة، وسموا المكوس بالحقوق السلطانية، وسموا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسموا أبلغ الكفر، وهو جحد صفات الرب، تنزيها، وسموا مجالس الفسوق مجالس الطيبة. فلما سماها شجرة الخلد قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا فى الجنة ولا تموتا فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون، ولم يكن آدم عليه السلام قد علم أنه يموت بعد، واشتهى الخلود فى الجنة، وحصلت الشبهة من قول العدو وإقسامه بالله جهد أيمانه، أنه ناصح لهما، فاجتمعت الشبهة والشهوة، وساعده القدر، ولما فرغ الله سبحانه من تقديره فأخذتهما سنة الغَفْلة، واستيقظ لهما العدو، كما قيل:

وَاسْتَيْقَظُوا وَأَرَادَ اللهُ غَفْلَتَهُمْ ... لِيَنْفُذَ الْقَدَرُ المَحْتُومُ فى الأزَلِ

إلا أن هذا الجواب يعترض عليه قوله {أو تكونا من الخالدين} [الأعراف: ٢٠] . فيقال: الماكر المخادع لا بد أن يكون فيما يمكر به ويكيد من التناقض والباطل ما يدل على مكره وكيده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح كلام عدو الله، والاعتذار عنه، وإنما يعتذر عن الأب فى كون ذلك راج عليه وولج سمعه، فهو لم يجزم لهما بأنهما إن أكلا منها صارا ملكين، وإنما ردد الأمر بين أمرين: أحدهما ممتنع، والآخر: ممكن، وهذا من أبلغ أنواع الكيد والمكر، ولهذا لما أطمعه فى الأمر الممكن جزم له به ولم يردده.

فقال: {يَا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يْبلَى} [طه: ١٢٠] .

فلم يدخل أداة الشك هاهنا كما أدخلها فى قوله: {إلا أَنْ تَكونَا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: ٢٠] فتأمله، ثم قال: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: ٢١] .

فتضمن هذا الخبر أنواعا من التأكيد:

أحدها: تأكيده بالقسم.

الثانى: تأكيده بإنّ.

الثالث: تقديم المعمول على العامل، إيذانا بالاختصاص. أى نصيحتى مختصة بكما، وفائدتها إليكما لا إلى.

الرابع: إتيانه باسم الفاعل الدال على الثبوت واللزوم، دون الفعل الدال على التجدد: أى النصح صفتى وسجيتى، ليس أمرا عارضا لى.

<<  <  ج: ص:  >  >>