دهرا طويلاً، حتى تزوجت تلك المرأة برجل آخر، وجاءه منها ولد ثم إنه حنث فى يمين حلفها ففرق بينهما وردت إلى الأول بعد أن كاد يتلف لمفارقتها.
وبلغنى عن آخر أنه كان شديد التنطع فى التلفظ بالنية والتقعر فى ذلك، فاشتد به التنطع والتقعر يوماً إلى أن قال: أصلى، أصلى، مرارا، صلاة كذا وكذا. وأراد أن يقول: أداء، فأعجم الدال، وقال: أذاء لله. فقطع الصلاة رجل إلى جانبه، فقال: ولرسوله وملائكته وجماعة المصلين.
قال: ومنهم من يتوسوس فى إخراج الحرف حتى يكرره مرارا.
قال: فرأيت منهم من يقول: الله أكبر. قال: وقال لى إنسان منهم: قد عجزت عن قول السلام عليكم، فقلت له: قل مثل ما قد قلت الآن، وقد استرحت.
وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم فى الدنيا قبل الآخرة، وأخرجهم عن اتباع الرسول وأدخلهم فى جملة أهل التنطع والغلو، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق فى اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى قوله وفعله، وليعزم على سلوك طريقة عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم، وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته، ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير.
{إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: ٦] . وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام كائنا ما كان، فإنه لا يشك أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان على الصراط المستقيم. ومن شك فى هذا فليس بمسلم. ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته؟ وأى شىء يبتغى العبد غير طريقته؟ ويقول لنفسه: ألست تعلمين أن طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هى الصراط المستقيم؟ فإذا قالت له: بلى، قال لها: فهل كان يفعل هذا؟ فستقول: لا، فقل لها: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار؟ وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان؟ فإن اتبعت