ومعافاة أبدانهم، وستر عوراتهم، وتأمين روعاتهم، بل حاجتهم إلى تألهه ومحبته وعبوديته أعظم، فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم. ولا صلاح لهم ولا نعيم ولا فلاح ولا لذة ولا سعادة بدون ذلك بحال
ولهذا كانت "لا إله إلا الله" أحسن الحسنات، وكان توحيد الإلهية رأس الأمر، وأما توحيد الربوبية الذى أقر به المسلم والكافر، وقرره أهل الكلام فى كتبهم، فلا يكفى وحده، بل هو الحجة عليهم، كما بين ذلك سبحانه فى كتابه الكريم فى عدة مواضع، ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، كما فى الحديث الصحيح الذى رواه معاذ بن جبل رضى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال:"أتدرى ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. أتدرى ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار"، ولذلك يحب سبحانه عباده المؤمنين الموحدين ويفرح بتوبتهم، كما أن فى ذلك أعظم لذة العبد وسعادته ونعيمه، فليس فى الكائنات شىء غير الله سبحانه يسكن القلب إليه، ويطمئن به ويأنس به، ويتنعم بالتوجه إليه، ومن عبد غيره سبحانه وحصل له به نوع منفعة ولذة، فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته، وهو بمنزلة أكل الطعام المسموم اللذيذ، وكما أن السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا، كما قال تعالى:
{لَوْ كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا الله لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢] .
فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود من قلبه، ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذى يحبه ويرجوه، ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه.
الوجه الثالث: أن فقر العبد إلى أن يعبد الله سبحانه وحده لا يشرك به شيئا ليس له نظير فيقاس به، ولكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الغذاء والشراب والنفس، فيقاس بها، ولكن بينهما فروق كثيرة، فإن حقيقة العبد قلبه وروحه، ولا صلاح له إلا بإلهه الحق الذى لا إله إلا هو، فلا يطمئن إلا بذكره، ولا يسكن إلا بمعرفته وحبه، وهو كادح إليه كدحا فملاقيه، ولا بد له من لقائه، ولا صلاح له إلا بتوحيد محبته وعبادته وخوفه ورجائه، ولو حصل له من اللذات والسرور بغيره ما حصل فلا يدوم له ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا فى حال، وبهذا فى حال، وكثيرا ما يكون ذلك الذى