يتنعم به هو أعظم أسباب ألمه ومضرته. وأما إلهه الحق فلا بد له منه فى كل وقت وفى كل حال، وأينما كان فنفس الإيمان به ومحبته وعبادته وإجلاله وذكره هو غذاء الإنسان وقوته، وصلاحه وقوامه، كما عليه أهل الإيمان، ودلت عليه السنة والقرآن، وشهدت به الفطرة والجنان، لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان، وبُخِس حظه من الإحسان: إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة، لمجرد الابتلاء والامتحان، أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان، أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان، كما فى مقالات من بُخِسَ حظه من معرفة الرحمن، وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان، وفرح بما عنده من زبَدَ الأفكار وزُبالة الأذهان، بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان، وأفضل لذة للروح والقلب والجنان، وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان، والله المستعان، وعليه التكلان.
وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا فى بعضها، لأسباب اقتضته لابد منها، هى من لوازم هذه النشأة.
فأوامره سبحانه، وحقه الذى أوجبه على عباده، وشرائعه التى شرعها لهم هى قرة العيون ولذة القلوب، ونعيم الأرواح وسرورها، وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها، وكمالها فى معاشها ومعادها، بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم فى الحقيقة إلا بذلك، كما قال تعالى:
قال أبو سعيد الخدرى "فضل الله: القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله" وقال هلال بن يساف "بالإسلام الذى هداكم إليه. وبالقرآن الذى علمكم إياه، هو خير مما تجمعون: من الذهب والفضة" وكذلك قال ابن عباس والحسن وقتادة "فضله: الإسلام، ورحمته: القرآن" وقالت طائفة من السلف "فضله: القرآن، ورحمته: الإسلام".
والتحقيق: أن كلا منهما فيه الوصفان، الفضل والرحمة، وهما الأمران اللذان امتن الله بهما على رسوله عليه الصلاة والسلام فقال: