عبادتنا؟ أى إذا كنا نحن لا نعبد غيرك، فكيف ندعو أحدا إلى أن يعبدنا؟ والمعنى: أنهم إذا كانوا لا يرون لأنفسهم عبادة الله تعالى، فكيف يدعون غيرهم إلى عبادتهم؟ وهذا جواب الفراء.
وقال الجرجانى: هذا بالتدريج يصير جوابا للسؤال الظاهر، وهو أن من عبد شيئا فقد تولاه، وإذا تولاه العابد صار المعبود وليا للعابد، يدل على هذا قوله تعالى:
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلمَلاَئِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكَمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهمْ} [سبأ: ٤٠ - ٤١] .
فدل على أن العابد يصير وليا للمعبود.
ويصير المعنى كأنهم قالوا: ما كان ينبغى لنا أن نأمر غيرنا باتخاذنا أولياء، وأن نتخذ من دونك وليا يعبدنا. وهذا بسط لقول ابن عباس فى هذه الآية.
قال: يقولون: ما توليناهم، ولا أحببنا عبادتهم. قال: ويحتمل أن يكون قولهم: {مَا كانَ يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: ١٨] .
أن يريدوا معشر العبيد، لا أنفسهم: أى نحن وهم عبيدك، ولا ينبغى لعبيدك أن يتخذوا من دونك أولياء ولكنهم أضافوا ذلك إلى أنفسهم تواضعا منهم. كما يقول الرجل لمن أتى منكرا: ما كان ينبغى لى أن أفعل مثل هذا: أى أنت مثلى عبد محاسب، فإذا لم يحسن من مثلى أن يفعل هذا لم يحسن منك أيضاً.
قال: ولهذا الإشكال قرأ من قرأ نُتَخذَ بضم النون. وهذه القراءة أقرب فى التأويل.
لكن قال الزّجَّاج: هذه القراءة خطأ، لأنك تقول: ما اتخذت من أحد ولياً، ولا يجوز ما اتخذت أحدا من ولى لأن "من" إنما دخلت لأنها تنفى واحدا من معنى جميع، تقول: ما من أحد قائما، وما من رجل محبا لما يضره، ولا يجوز: ما رجل من محب لما يضره.
قال: ولا وجه عندنا لهذا البتة، ولو جاز هذا لجاز فى: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزَينَ} [الحاقة: ٤٧] .
ما أحد عنه من حاجزين. فلو لم تدخل "من" لصحت هذه القراءة.
قال صاحب النظم: الِعلة فى سقوط هذه القراءة: أن "من" لا تدخل إلا على مفعول لا مفعول دونه: فإذا كان قبل المفعول مفعول سواه لم يحسن دخول "من" كقوله: