للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

..

وفرقة قالت: إن الأشياء ليس لها أول البتة، وإنما تخرج من القوة إلى الفعل. فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل، تكونت الأشياء: مركباتها، وبسائطها، من ذاتها لا من شيء آخر.

وقالوا: إن العالم دائم لم يزل ولا يزال، لا يتغير، ولا يضمحل، ولا يجوز أن يكون المبدع يفعل فعلا يبطل ويضمحل إلا وهو يبطل ويضمحل مع فعله، وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التى فيه.

وهؤلاء هم المعطلة حقا، وهم فحول المعطلة، وقد سَرى هذا التعطيل إلى سائر فرق المعطلة، على اختلاف آرائهم وتباينهم فى التعطيل، كما سرى داء الشرك تأصيلا وتفصيلا فى سائر فرق المشركين على اختلاف مذاهبهم فيه، وكما سرى جحد النبوات تأصيلا وتفصيلا فى سائر من جحد النبوة أو صفة من صفاتها، أو أقر بها جملة وجحد مقصودها وزبدتها أو بعضه.

فهذه الفرق الثلاثة سرى داؤها وبلاؤها فى الناس، ولم ينج منه إلا أتباع الرسول، العارفون بحقيقة ما جاء به، المتمسكون به دون ما سواه، ظاهرا وباطنا.

فداء التعطيل، وداء الإشراك، وداء مخالفة الرسول وجحد ما جاء به، أو شيء منه: هو أصل بلاء العالم، ومنبع كل شر، وأساس كل باطل. فليست فرقة من فرق أهل الإلحاد والباطل والبدع إلا وقولها مشتق من هذه الأصول الثلاثة، أو من بعضها.

فإِنْ تَنْجُ مَنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِى عَظِيَمَةٍ ... وَإِلاّ فَإِنِّى لاَ أظُنُّكَ نَاجِياً

فصل

فسرت هذه البلايا الثلاثة فى كثير من طوائف الفلاسفة، لا فى جميعهم. فإن الفلسفة من حيث هى لا تعطى ذلك. فإن معناها محبة الحكمة، والفيلسوف أصله "فِيْلاسوفا" أى محب الحكمة "ففيلا" هى المحب "وسُوفا" هى الحكمة. والحكمة نوعان: قولية وفعلية. فالقولية: قول الحق، والفعلية. فعل الصواب، وكل طائفة من الطوائف لهم حكمة يتقيدون بها.

وأصح الطوائف حكمة: من كانت حكمتهم أقرب إلى حكمة الرسل التى جاءوا بها عن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>