فطرحتهم فى الحبس فى جب لا ماء فيه. فأقاموا سبعة أيام لا يطعمون، ولا يسقون. فقال يهوذا لصاحبيه: إن أباه عرفه بالموضع الذى تطلب. فصاح الاثنان، فأخرجوهما. فخبراها بما قال يهوذا. فأمرت بضربه بالسياط، فأقر، وخرج إلى الموضع الذى فيه المقبرة. وكان مزبلة عظيمة. فصلى، وقال: اللهم إن كان فى هذا الموضع، فاجعله أن يتزلزل ويخرج منه دخان فتزلزل الموضع، وخرج منه دخان، فأمرت الملكة بكنس الموضع من التراب، فظهرت المقبرة وأصابوا ثلاثة صلبان. فقالت الملكة: كيف لنا أن نعلم صليب سيدنا المسيح؟. وكان بالقرب منهم عليل شديد العلة قد أيس منه، فوضع الصليب الأول عليه، ثم الثانى، ثم الثالث. فقام عند الثالث، واستراح من علته. فعلمت أنه صليب المسيح، فجعلته فى غلاف من ذهب، وحملته إلى قسطنطين.
وكان من ميلاد المسيح إلى ظهور هذا الصليب ثلاثمائة وثمانية وعشرون سنة.
هذا كله نقله سعيد بن بطريق النصرانى فى تاريخه.
والمقصود: أنهم ابتدعوا هذا العيد بنقل علمائهم بعد المسيح بهذه المدة.
وبعد، فسند هذه الحكاية من بين يهودى ونصرانى، مع انقطاعها، وظهور الكذب فيها لمن له عقل من وجوه كثيرة.
ويكفى فى كذبها وبيان اختلاقها: أن ذلك الصليب الذى شفى العليل كان أولى أن لا يميت الإله الرب المحيى المميت.
ومنها: أنه إذا بقى تحت التراب خشب ثلاثمائة وثمانية وعشرون سنة، فإنه ينخر ويبلى لدون هذه المدة.
فإن قال عباد الصليب: إنه لما مس جسم المسيح حصل له الثبات والقوة والبقاء.
قيل لهم: فما بال الصليبين الباقيين لم يتفتتا واشتبها به؟
فلعلهم يقولون: لما مست صليبه مسها البقاء والثبات.
وجهل القوم وحمقهم أعظم من ذلك، والرب سبحانه لما تجلى للجبل تدكدك الجبل، وساخ فى الأرض، ولم يثبت لتجليه، فكيف تثبت الخشبة لركوبه عليها فى تلك الحال؟
ولقد صدق القائل: إن هذه الأمة لعار على بنى آدم أن يكونوا منهم.
فإن كانت هذه الحكاية صحيحة، فما أقربها من حيل اليهود التى تخلصوا بها من