الحبس والهلاك، وحيل بنى آدم تصل إلى أكثر من ذلك بكثير. ولا سيما لما علم اليهود أن ملكة دين النصرانية قاصدة إلى بيت المقدس، وأنها تعاقبهم حتى يدلوها على موضع القتل والصلب، وعلموا أنهم إن لم يفعلوا لم يتخلصوا من عقوبتها.
ومنها: أن عبُّاد الصليب يقولون: إن المسيح لما قتل غار دمه. ولو وقع منه قطرة على الأرض ليبست ولم تنبت، فيا عجبا، كيف يحيى الميت، ويبرأ العليل بالخشبة التى شُهر عليها وصلب؟ أهذا كله من بركتها وفرحها به، وهو مشدود عليها يبكى ويستغيث؟.
ولقد كان الأليق أن يتفتت الصليب ويضمحل لهيبة من صلب عليه وعظمته. ولخسفت الأرض بالحاضرين عند صلبه، والمتمائلين عليه. بل تتفطر السماوات وتنشق الأرض، وتخر الجبال هَدَّا.
ثم يقال لعُبُّاد الصليب: لا يخلوا أن يكون المصلوب الناسوت وحده، أو مع اللاهوت؟ فإن كان المصلوب هو الناسوت وحده، فقد فارقته الكلمة، وبطل اتحادها به. وكان المصلوب جسدا من الأجساد، ليس بإله. ولا فيه شيء من الإلهية والربوبية البتة.
وإن قلتم: إن الصلب وقع على اللاهوت والناسوت معا. فقد أقررتم بصلب الإله وقتله وموته، وقدرة الخلق على أذاه. وهذا أبطل الباطل، وأمحل المحال. فبطل تعلقكم بالصليب من كل وجه عقلا وشرعا.
وأما تلاعبه بهم فى صلاتهم فمن وجوه أحدها: صلاة كثير منهم بالنجاسة والجنابة. والمسيح بريء من هذه الصلاة، وسبحانه الله أن يتقرب إليه بمثل هذه الصلاة، فقدره أعلى، وشأنه أجل من ذلك.
ومنها: صلاتهم إلى مشرق الشمس، وهم يعلمون أن المسيح لم يصل إلى المشرق أصلا. وإنما كان يصلى إلى قبلة بيت المقدس.
ومنها: تصليبهم على وجوههم عند الدخول فى الصلاة، والمسيح بريء من ذلك، فصلاة مفتاحها النجاسة، وتحريمها التصليب على الوجه، وقبلتها الشرق، وشعارها الشرك، كيف يخفى على العاقل أنها لا تأتى بها شريعة من الشرائع البتة؟.