فإن قيل: فما مقصود موسى بقوله: {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبلُ}[الأعراف: ١٥٥] .
فقد ذكر فيه وجوه:
فقال السدى: لما ماتوا قام موسى يبكى، ويقول: يا رب، ماذا أقول لبنى إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟.
وقال محمد بن إسحق: اخترت منهم سبعين رجلا، الخير فالخير، أرجع إليهم وليس معى منهم رجل واحد؟ فما الذى يصدقونى به، أو يأمنونى عليه بعد هذا؟.
وعلى هذا، فالمعنى: لو شئت أهلكتهم من قبل خروجنا. فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك، ولا يتهموننى.
وقال الزجاج: المعنى: لو شئت أهلكتهم من قبل أن تبتليهم بما أوجب عليهم الرجفة.
قلت: وهؤلاء كلهم حاموا حول المقصود. والذى يظهر- والله أعلم بمراده ومراد نبيه: أن هذا استعطاف من موسى عليه السلام لربه، وتوسل إليه بعفوه عنهم من قبل، حين عبد قومهم العجل، ولم ينكروا عليهم. يقول موسى: إنهم قد تقدم منهم ما يقتضى هلاكهم. ومع هذا فوسعهم عفوك ومغفرتك، ولم تهلكهم، فليسعهم اليوم ما وسعهم من قبل.
وهذا كما يقول من واخذه سيده بجرم: لو شئت واخذتنى من قبل هذا بما هو أعظم من هذا الجرم، ولكن وسعنى عفوك أولا، فليسعنى اليوم.
ثم قال نبى الله {أَتهْلِكُنَا بمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}[الأعراف: ١٥٥] .
فقال ابن الأنبارى وغيره: هذا استفهام على معنى الجحد، أى لست تفعل ذلك.
والسفهاء هنا: عبدة العجل.
قال الفراء: ظن موسى أنهم أهلكوا باتخاذ قومهم العجل، فقال: {أَتُهْلِكُنَا بمَا فَعَلَ