... وعلى العكس من هذا برز في عصره عدد من الرحالين ممن زاروا الأصقاع القريبة من الاتحاد السوفيتي ونالوا شهرة واسعة بفضل أوصاف الرحلات التي خلفوها، رغما من أن أحدهم تمتع ببعض الصيت كشاعر أيضا.
ويحتل ابن فضلان المكانة الأولى بينهم سواء من الناحية الزمنية أو الأهميّة الذاتيّة، وذلك بسبب رسالته المشهورة التي تجدّد الاهتمام بها في الأعوام الأخيرة بنفس الدرجة التي تمتّعت بها لأول مرّة منذ مائة وعشرين عاما. وهذا الأثر بلا شكّ جدير بهذا الاهتمام خاصّة في الآونة الحاضرة بعد أن أصبح لأوّل مرّة في متناول أيدي الجميع في طبعة كاملة تقريبا.
وفيه نجد أثرا طريفا بالنسبة لعصره، فهو يقدّم لنا صورة حيّة للظروف السياسيّة في العالم الإسلاميّ والعلاقات بين بلاد الإسلام والبلاد المتاخمة لها في آسيا الوسطى أو الأصقاع النائية التي كانت تمثّل أطراف العالم المتمدّن آنذاك مثل حوض الفولجا.
وتحفل الرسالة بمادة إثنوغرافيّة قيّمة جدا ومتنوّعة بصورة فريدة، وهي تمسّ عددا من القبائل التركيّة البدويّة القاطنة آسيا الوسطى، وعددا من الشعوب التي كانت تلعب آنذاك دورا أساسيا في تاريخ أوروبا الشرقيّة كالبلغار والروس والخزر. كما لا يمكن إنكار قيمتها الأدبيّة وأسلوبها القصصيّ السلس ولغتها الحيّة المصوّرة التي لا تخلو بين آونة وأخرى من بعض الدّعابة التي ربّما لم تكن مقصودة.
وقد تمّ إعداد هذه السفارة كطلب بلغار الفولجا الذين أرسلوا رسولا إلى عاصمة الخلافة يرجون العون ضد ضغط الخزر عليهم من الجنوب، وأن ينفذ إليهم من يفقّههم في الدين ويعرّفهم بشعائر الإسلام الذي اعتنقوه منذ عهد غير طويل، وقد أرسلت إليهم سفارة تحت رئاسة سوسن الرسى كان من أفرادها أحمد بن فضلان كفقيه ذي خبرة؛ وعلى الرغم من عدم وجود أيّة معلومات عنه إلا أنّه يحاول دائما