وأخذ الرجال يضربون بالخشب على التراس لئلا يسمع صوت صياحها فيجزع غيرها من الجواري ولا يطلبن الموت مع مواليهن، ثم دخل إلى القبة ستة رجال فجامعوا بأسرهم الجارية ثم أضجعوها إلى جانب مولاها وأمسك اثنان رجليها واثنان يديها، وجعلت العجوز التي تسمى ملك الموت في عنقها حبلا مخالفا ودفعته إلى اثنين ليجذباه وأقبلت ومعها خنجر عريض النّصل فأقبلت تدخله بين أضلاعها موضعا موضعا وتخرجه والرجلان يخنقانها بالحبل حتى ماتت.
ثم وافى أقرب الناس إلى ذلك الميت فأخذ خشبة وأشعلها بالنار، ثم مشى القهقرى نحو قفاه إلى السفينة ووجهه إلى الناس والخشبة المشعلة في يده الواحدة، ويده الأخرى على باب استه وهو عريان حتى أحرق الخشب المعبأ الذي تحت السفينة من بعدما وضعوا الجارية التي قتلوها في جنب مولاها.
ثم وافى الناس بالخشب والحطب ومع كل واحد خشبة قد ألهب رأسها فيلقيها في ذلك الخشب، فتأخذ النار في الحطب ثمّ في السفينة ثمّ في القبة والرجل والجارية وجميع ما فيها، ثم هبّت ريح عظيمة هائلة فاشتدّ لهب النار واضطرم تسعّرها «٣٥٠» ، وكان إلى جانبي رجل من الروسية فسمعته يكلّم الترجمان الذي معي فسألته عمّا قال له فقال: إنه يقول: أنتم يا معاشر العرب حمقى.
فقلت: لم ذلك. قال: إنكم تعمدون إلى أحبّ الناس إليكم وأكرمهم عليكم فتطرحونه في التراب وتأكله التراب والهوام والدود، ونحن نحرقه بالنار في لحظة فيدخل الجنة من وقته وساعته.
ثم ضحك ضحكا مفرطا فسألت عن ذلك فقال: من محبة ربّه له قد بعث الريح حتى تأخذه في ساعة، فما مضت على الحقيقة ساعة حتى صارت السفينة والحطب والجارية والمولى رمادا مددا.
ثم بنوا على موضع السفينة وكانوا قد أخرجوها من النهر شبيها بالتل المدور،