وعاد الروم فانتزعوهما «١» ثانيا من المسلمين [وعاد المسلمون فتحوها وكان فتحها مسعود بن قلج ارسلان السلجوقىّ «٢» صاحب بلاد الروم سنة خمس وأربعين وخمسمائة وهى بيد المسلمين الآن] «٣» وكان لهما زروع وأشجار وفواكه وكانتا ثغرين يرابط فيهما المسلمون ويجاهدون فيغنمون فساءت النيّات وفتحت الأعمال وارتفعت البركات ولجّ الملوك فى الاستئثار بالأموال والعامّة فى المعاصى على الإضرار فهلك العباد وتلاشت البلاد وانقطع الجهاد وبذلك نطق وحيه تعالى إذ يقول وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية «٨» ، وكانت الهارونيّة من غربىّ جبل اللكام وفى بعض شعابه حصنا صغيرا بناه هرون الرشيد وأدركته فى غاية العمارة وأهله فى جهادهم فى نهاية الجلد والشطارة يغزون فيغنمون ويتلصّصون على بلد الروم فيسلمون وقد ملكه الروم، وكانت الإسكندرونة «١١» أيضا حصنا على ساحل بحر الروم ذا نخيل وزروع كثيرة وغلّة وخصب فدخله العدوّ وملكه فهوّله، وكذلك التينات «١٣» حصن كان على شطّ البحر فيه مقطع لخشب الصنوبر الذي كان ينقل الى الشأم ومصر والثغور منه ما لا يحصى وكان فيه رجال قتّال أجلاد لهم علم بمضارّ بلد الروم ومعرفة بمخائضهم ومهالكهم، وكانت الكنيسة أيضا حصنا فيه منبر ثغر فى معزل من ساحل البحر يقارب حصن المثقّب «١٧» الذي كان استحدثه عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وعمره وكان فيه منبره ومصحفه بخطّه وسكّانه قوم سراة من ولد عبد شمس اعتزلوا الدنيا ورفضوا المكاسب وكان لهم ما يقوتهم من المباح فهلكا جميعا، وكانت عين زربة بلدا «٢٠» يشبه مدن الغور به النخيل والخصب والسعة فى الثمار والزرع وهى المدينة التى كان وصيف الخادم همّ بالدخول منها الى بلد الروم فأدركه المعتضد بها وكانت حسنة الداخل والخارج نزهة من داخل سورها جليلة فى جميع أمورها،