وجب قبول خبره وإذا شهد له بالإتقان في حفظه وجب قبول خبره أيضا وقد بسطنا هذا في رسالتنا المسماة إرشاد النقاد بسطا شافيا وبينا أن قول العدل فلان عمل عبارة إجمالية معناها أنه آت بالواجبات مجتنب للمقبحات ولما فيه خسة من الصغائر محافظ على المروءة وكما وقع الإجماع على قبول تلك العبارة الإجمالية يجب قبول قول القائل من الأئمة هذا حديث صحيح فإنه إخبار عما تضمنه الإجمال من التفصيل وهذا الذي ذكره المصنف هنا هو الحق لا ما تقدم له من قوله إن من قلد في ذلك لا يكون مجتهدا وسيأتي زيادة في بحث المرسل إن شاء الله تعالى.
"إلا أن تظهر علة قادحة في صحة الحديث من فسق في الراوي حفي على من صحح حديثه أو تغفيل كثير أو غير ذلك من قبول الثقات" حاصلة أن قبول خبر العدل بأن الحديث صحيح مقتض للعمل به ما لم يعارضه المانع.
واعلم أنه قد سبق أنه إذا صحح الحديث إمام من المتقدمين كابن خزيمة وابن حبان قبل تصحيحه وجوبا على ما ذكره المصنف إذا تضمن حكما شرعيا وهذان الإمامان اللذان نص على التمثيل بهما قد قدمناه ما قيل في كتابيهما ومثلهما تصحيح الترمذي فإنه قال ابن حجر الهيتمي في فهرسته فإن قلت: قد صرحوا بأن عنده أي الترمذي نوع تساهل في التصحيح فقد حكم بالحسن مع وجود الانقطاع في أحاديث في سننه وحسن فيها بعض ما انفرد به رواته كما صرح هو بذلك فإنه يورد الحديث ثم يقول عقيبه إنه حسن غريب وحسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من الوجه قلت: هذا كله لا يضره لأن ذلك اصطلاح جديد له ومن بلغ النهاية في الإمامة والحفظ لا ينكر عليه ابتداع اصطلاح يختص به وحينئذ فلا مشاححة في الاصطلاح وبهذا يجاب عما استشكلوه من جمعه بين الصحة والحسن على متن واحد مع ما هو معلوم من تغايرهما انتهى.
قلت: إذا كان اصطلاح الترمذي أن الحسن والصحيح شيء واحد فإنه لا يصح حمل قوله صحيح على المعنى الذي نحن بصدده بل يحمل على أنه قسم من الحسن وسيأتي كلام آخر في وجه جمعه بين الوصفين على أنه لا يتم ما قاله ابن حجر إلا إذا أريد بالحسن الذي يرادف الصحيح في اصطلاح الترمذي الحسن لذاته لا الحسن لغيره فإنه قال ابن حجر أيضا إن أبا داود قال في خطبة كتابه ذكرت الصحيح وما يشابهه وما يقاربه ثم قال والذي يتجه أن المراد بما يشبه الصحيح الحسن لذاته