"بخلاف المرسل فهو وإن أوهم الصحة فلم تظهر منه قرينة تدل على أنه قصد الإيهام لكنه يحتمل صحته عنده فإن كان يعرف شرطه في الصحة" أي شرط المدلس للصحة "قبل أيضا" أي حديث المدلس كما يقبل المرسل "على مقتضى قواعد المحدثين المتأخرين كما مر في المرسل وإن لم يعرف" شرطه في الصحة "كان" الحديث المدلس "كالمرسل وإن جاء بعن لأنه" قد "قصد إيهام الصحة".
وحاصله أن المدلس أوهم الصحة وأتى بقرينة دالة على قصدها بخلاف المرسل فإنه أوهم الصحة ولم يقم قرينة تدل على قصدها فكان قبول المدلس أولى من قبيل المرسل وفي كلامه نظر.
"ولا يكفي في جرح المدلس" أي في جرحنا بالتدليس لمن عرف به "أنه دلس حديث" راو "ضعيف" بغير الكذب بإسقاطه "أو" راو "كذاب حتى يعرف أن الكذاب" الذي أسقطه من السند "متعمد" للكذب "لا مخطئ" بأن يكون واهما "و" حتى يعرف "أن المدلس قد عرف عتمده الكذب في الحديث و" حتى "يكون ما دلسه" من الحديث "في الحلال والحرام" قلت: أو المندوب أو المكروه إذ الكل أحكام شرعية وإنما اشتهر عن المحدثين أه يقبل الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب فكأنه لذلك قيده المصنف "و" حتى "لا يكون يرويه من غير تلك الطريق هذه أربعة شروط" ثلاثة وجودية وشرط عدمي "يعز وجود واحد منها ولا يغرنك قول المحدثين فلان كذاب فقد يطلقون ذلك على من يكذب مخطئا لا متعمدا لأن الحقيقة اللغوية" لمسمي الكذب تقتضي أنه كذاب إذ الكذب لغة الأخبار بخلاف الواقع ولا يشترط فيه العمدية نعم العمدية شرط في الإثم على أنه لا يخفى أن الأصل في إطلاق المحدثين للكذب فيمن يصفونه به هو الكذب حقيقة الصادر عن عمد يعرف ذلك من تصرفاتهم وإذا كان هو الأصل فلا بد من قرينة على أنهم أرادوا به الوهم كما أفاده قوله "ولهذا وصفوا بذلك خلفا من أهل الصدق إذا وهموا" فأن القرينة كونهم وصفوا بذلك من يعرف بالصدق.
"والصواب أنه لا يسمى من وهم كذابا لأن العرف في الكذاب أنه المتعمد كما قاله الجاحظ" فإنه يقول الكذب عدم المطابقة مع الاعتماد كما عرف في الأصول وعلم البيان من حقيقة مذهبه وقد رد أئمة الأصول والبيان ما ذهب إليه وأن التعمد أمر قلبي لا يطلع عليه فالأصل هو العمد.