"ضررا لثقة الناس بهم لزهدهم وقبوله منهم ولذا قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث" ويحيى إمام شهير متفق على إمامته ومراده أنه لم يرأ كذب من الصالحين وإن رأى غيرهم كذابين ولما كان الكذب في الحديث النبوي ينافي الصلاح فضلا على الأكذبية قال زين الدين "يريد" يحيى بن سعيد "بذلك والله أعلم" أي بقوله الصالحين "المنسوبين إلى الصلاح بغير علم يفرقون به بين ما يجوز لهم من الرواية وما لا يجوز".
وعبارة زين الدين يفرقون به بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم فهو صلاح بغير علم وفي الحقيقة إنه ليس بصلاح فإنه لا صلاح إلا عن علم وإنما مراده أنه يعدهم الناس صالحين لما يرونه من تقشفهم وزهدهم مع أنهم من أهل الغباوة والجهل وهكذا العامة يعدون أهل الصلاح أهل هذا القسم ولذا قيل:
من عذيري من معشر هجروا العقـ ... ـل وحادوا عن الطريق القويمة
لا يرون الإنسان قد نال حظا ... من صلاح حتى يكون بهيمه
"ويدل على ذلك" أي على تأويل كلام يحيى بن سعيد "ما رواه ابن عدي والعقيلي بسندهما الصحيح إليه أنه قال" أي يحيى بن سعيد "ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير قلت: فهذا صرح بإضافة ذلك" أي الأكثر منه "إلى من ينسب إلى الخير يعني وليس من أهله" فعليه تحمل العبارة المطلقة.
"قال زين الدين" بيانا منه لاحتمال آخر تحتمله عبارة يحيى بن سعيد "أو يريد أن الصالحين" حقيقة لا من لهم مجرد النسبة إلى الصلاح "عندهم حسن ظن وسلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق" فيكون نسبة الكذب أو الأكذبية إليهم مجازا أنهم يروون ما هو كذب في نفس الأمر وإن لم يكونوا كاذبين قلت: ولكن هذا التأويل يخرجهم عن أهل الضرب الذي هو بصدده إذ ليسوا بوضاعين.
"قال" أي زين الدين "ولكن الوضاعين ممن ينسب إلى الصلاح" بناء على عدم صحة التأويل الآخر وتقييد العبارة الأولى "وإن خفى حالهم على كثير من الناس" فقبلوا عنهم ما رووه "فإنه لم يخف على جهابذة الحديث" جمع جهبذ بكسر الجيم وهو النقاد الخبير كما في القاموس فعطف "ونقاده" من عطف التفسير "فقاموا بأعباء" جمع عبء بالكسر الحمل الثقيل من أي شيء "ما حملوا فتحملوه" من الكشف عن صحيح الأحاديث "فكشفوا عوارها" بتثليث العين المهملة العيب "ومحوا عارها" هو