للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لا يعلم الغائب عنه أنه شطره إلا بالظن ومثل قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] إذ ليس معهم إلا الظن أيمانهن وغيرها من الآيات "ويوضح ذلك" أي أن المذموم هو الظن بمعنى الشك "أنه وصف الذين ذمهم باتباع الظن بالأفك والخرص الذي هو تعمد الكذب" قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١١٦] فالوصف بالخرص دال على أنه ليس عندهم ظن راجح قلت: ويدل على استعماله لغة في الراجح قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} فنفيهم اليقين دالى على أن عندهم ظنا راجحا ويحتمل الشك كما قدمناه عن القاموس.

"وأيضا فمن الظاهر الواضح" الراجح "أن اتباع الظن الراجح من أمارات الأنصاف" لأنه أخذ بالأرجح والأحوط "ومن اتبعه كان باتباع العلم أولى وأحرى ثم أن عبادة الحجارة ليست مظنونة ظنا رجحا فتأمل ذلك".

قلت: أما عند عبادها فالظاهر أنهم لم يعبدوها إلا وعندهم ظن راجح باستحقاقها العبادة وكأنه وجه أمره بالتأمل.

"وحكى الله عز وجل عن سليمان قوله في الهدهد: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} " [النمل: ٢٧] فإنه عليه الصلاة والسلام توقف في خبر الهدهد ولم يجزم بصدقه ولا كذبه لكونه مجهول الحال عند سليمان ولا يقال هذا من أحكام خطاب الطير فلا يستدل به هنا لأنا نقول فأشار المصنف إلى جوابه بقوله "هذا مع قوله تعالى: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} " [الأنعام: ٣٨] بعد قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} الآية فدلت على أن الأحكام واحدة للمماثلة فإنه ظاهر في أن المماثلة في التكليف لا في مجرد الحيوانية مثلا إذ هو معلوم ولأنه يشعر به قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٣٨] ولا يقال سلمنا أنهم أمثالنا في التكليف فإنه يشتطر إيمان المخبر ومن أين لنا أن الهدهد مؤمن لأنا نقول من قوله "وفي قصة الهدهد ما يدل على إيمانه حيث أنكر عليهم عبادة الشمس من دون الله" وأثبت الإلهية له تعلى بقوله في صفته: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل: ٢٥] وأثثبت له العلم بكل شيء حيث قال: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: ٢٥] ووحدة وأثبت له العرش في قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: ٢٦] فإن السياق قاض أنه من كلامه وهذه معاقد الإيمان وأمهات قواعد التوحيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>