للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا إذا احتج عليهم بحديث ليس هذا في الصحيح قال سعيد بن عمرو راوي ذلك عن أبي زرعة فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال مسلم إنما قلت: هو صحيح قال سعيد وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن واره فجاءه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قال أبو زرعة إن هذا يطرق لأهل البدع فاعتذر مسلم فقال إنما قلت: هو صحيح ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث فهو ضعيف ذكر هذا النووي في شرح مقدمة مسلم مفرقا.

قلت: قد اتفق ما حدسه أبو زرعة من ذلك التطريق فإنه ذكر الحاكم أبو عبد الله في خطبة المستدرك ما لفظه١: إنه صنف الشيخان في صحيح الأخبار كتابين مهذبين انتشر ذكرهما في الأقطار ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يسمون برواة الآثار بأن جميع ما صح عندهم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه المسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أكثر كلها سقيمة أو غير صحيحة فهذا هو الذي حدسه أبو زرعة وغيره قد وقع وفي قوله عشرة آلاف إشعار بعدة أحاديث الصحيحين فكأن هذا هو من الحوامل لأهل الحديث على التعرض لذكر أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما أما البخاري فقوله "أحفظ مائة ألف حديث صحيح"٢ وكون الذي أخرجه في كتابه لا يبلغ عشر ما ذكره صريح في أنه لم يستوعب الصحيح.

إن قلت: قول الحاكم في مواضع من المستدرك في الحديث على شرطهما ولم يخرجاه يشعر بخلاف ما نقله عنه في الخطبة وإلا فلا فائدة لقوله ولم يخرجاه.

قلت: لعله لم يسق قوله ولم يخرجاه مساق الاعتراض عليهما بأنهما لم يخرجاه بل ذكر ذلك إخبارا بأنهما لم يخرجا كل ما كان على شرطهما فهو كالاستدلال لما قاله في خطبته من أنهما لم يستوعبا الصحيح ولا التزما ذلك.

وقد جرأ على هذا الوهم أعني أنهما حصرا الصحيح السيد على بن محمد بن أبي القاسم في ترسله على المصنف بالرسالة التي رد عليها بالعواصم فإنه قال وقد تعرضوا لحصر الصحيح فما لم يذكره غير صحيح عندهم ولكنه زعم أنهم قالوا إنما


١ "١/٤١".
٢ علوم الحديث ص "١٦"، وسير أعلام النبلاء "١٢/٤١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>