تطلب البيان وذلك لا يكون مع بيان رده ولا مع بيان قبوله ويوضح هذا أنه جاء التبين في القرآن الكريم غير مراد به الرد والتكذيب كقوله تعالى:{إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} فإنه ورد في سبب نزولها أن جماعة من الصحابة لقوا رجلا في عنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت الأية.
إذا عرفت هذا فليس في الآية دليل على رد فاسق التصريح الذي جعله الرادون دليلا على الرد فصلا عما قاسوه في الرد عليه وهو فاسق التأويل إنما فيها الأمر لما أخبره به هل هو صادق أو كاذب فهو نظير قول سليمان عليه السلام في خبر الهدهد:{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[النمل: ٢٧] وانظر لما أرد تعالى رد شهادة القاذف قال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[ألنور: ٤] وقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}[النور: ١٦] وقوله في القذفة: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النور: ١٣] .
"الرابع" قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[المائدة: ١٠٦] فأجازة شهادة كافر التصريح عند الضرورة فدلعلى أن القصد الظن الأقوى هو حاصل بالعدلين من المسلمين "فحين لم يحصل اكتفى بالظن الضعيف" الحاصل من شهادة الكفار تصريحا.
وفي العواصم وفي هذه وجهان:
أحدهما أن الله تعالى شرع قبول الكفار عند الحاجة إليهم وهم لا يستحقون التعظيم ومنصب التكرمة والتبجيل.
وثانيهما: ما أفاده قاوله "وفي هذه الآية جواز تخصيص العلة سواء كانت العدالة أو الظن" الأقوى فإنه قبل الظن الضعيف وهذا إشارة إلى منع السيد ابن أبي القاسم لتخصيص العلة كما في العواصم.
"الخامس" قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}[المائدة: ١٠٨] في العواصم فقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى} تنبيه ظاهرعلى أن المقصود قوة الظن وما هو أقرب إلى الصدق.
"السادس" قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا}[البقرة: ٢٨٢] قال فيها وأصل الآية وإن كانت في الكتابة فقد دخلت معها الشهادة بقوله: {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} .