للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدالته فهذا رجوع عن رسم العدالة أو يقول إنه لا يشترط عدم البدعة في العدل وإنه لا يطابق أحاديث الزجر عن البدعة.

البحث الثاني أن تفسير العدالة بما ذكره الحافظ ابن حجر تطابقت عليه كتب أئمة الأصول والحديث وإن حذف البعض قيد الأبتداع فإنهم قد اتفقوا على أنها ملكة ولا يخفى أنه ليس هذا معناها لغة ففي القاموس العدل ضدالجور وإن كان كلامه في هذه الألفاظ قليل الإفادة لأنه يقول والجور نقيض العدل فيدور وفي النهاية لابن الأثير العدل الذي لا يميل به الهوى وهو وإن كان تفسيرا للعادل فقد أفاد المراد به وفي غيرهما العدل الإستقامة.

ولأئمة التفسير أقوال في تفسيرها قال الفخر الرازي في مفاتح الغيب بعد سرده الأقوال إنه عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط ولاتفريط قلت: وهو قريب من تفسيره بالإستقامة فإنه فسرها الصحابة وهم أهل اللسان العربي بعدم الرجوع إلى عبادة الأوثان وأنكر أبو بكر الصديق على من فسرها بعد الإتيان بذنب وقال حملتم الأمر على أشده وفسرها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالإتيان بالفرائض.

والحاصل أن تفسيرهم العدالة بالملكة ليس هو معناها لغة ولا أتى عن الشارع في ذلك حرف واحد وتفسيرها بالملكة تشديد لا يتم وجوده إلا في المعصومين وأفراد من خلص المؤمنين بل في الحديث "إن كل بني آدم حطاؤون وخير الخطائين التوابون" ١ وفيه أنه "من من نبي إلا عصى أوهم إلا يحيى بن زكريا" ٢.

ولا يخفى أن حصول هذه الملكة لكل رواه من رواة الحديث معلوم أنه لا يكاد يقع ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك يقينا فالتحقيق أن العدل هو من قارب وسدد وغلب خيره على شره وفي الحديث "المؤمن واه راقع" ٣ أي واه ما أذنب راقع بالتوبة وتمامه "والسعيد من مات على رقعه" أخرجه البزار وإن كان فيه ضعف فإنه يشهد له حديث "لو لو تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" ٤ وهو حديث صحيح وقد أطلنا البحث في هذا في ثمرات النظر وفي هذا هنا كفاية.


١ الترمذي ٢٤٩٩, وابن ماجة ٤٢٥١, والدارمي ٢/٣٠٣. والحاكم ٤/٢٤٤.
٢ أحمد ١/٢٥٤, ٢٩٢, ٢٩٥.
٣ المعجم الصغير ١/٦٦, والمجمع ١٠/٢٠١.
٤مسلم في التوبة ب ٢: حديث ١١, وأحمد ٢/٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>