ولقوا منه أذى شديدًا، فقومه بالأدب، فلما خرج أمرت بحمله، فضربته سبع درر، قال: فإنه ليدلك عينيه من البكاء إذ قيل: هذا جعفر بن يحيى قد أقبل، فأخذ منه منديلًا، فمسح عينيه من البكاء، وجمع ثيابه، وقام إلى فرشه، فقعد متربعًا، ثم قال ليدخل، فدخل، فقمت عن المجلس، وخفت أن يشكوني إليه، فأقبل عليه بوجهه وحدثه حتى أضحكه، ثم خرج، فجئت فقلت: لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر، فقال لي: يا أبا محمد، ما كنت أطلع الرشيد على هذه، فكيف بجعفر؟ إني أحتاج إلى أدب.
وأخرج عن عبد الله بن محمد التيمي قال: أراد الرشيد سفرًا، فأمر الناس أن يتأهبوا لذلك، وأعملهم أنه خارج بعد الأسبوع، فمضى الأسبوع ولم يخرج، فاجتمعوا إلى المأمون، فسألوه أن يستعلم ذلك، ولم يكن الرشيد يعلم أن المأمون يقول الشعر، فكتب إليه المأمون:
يا خير من دبت المطي به ... ومن تقدى بسرجه فرس
هل غاية في المسير نعرفها ... أم أمرنا في المسير ملتبس؟
ما علم هذا إلا إلى ملك ... من نوره في الظلام نقتبس
إن سرت سار الرشاد متبعًا ... إن تقف فالرشاد محتبس
فقرأها الرشيد، فسر بها، ووقع فيها: يا بني ما أنت والشعر، إنما الشعر أرفع حالات الدنى، وأقل حالات السرى. تقدّى: أي استمر.
وأخرج عن الأصمعي قال: كان نقش خاتم المأمون: عبد الله بن عبد الله.
وأخرج عن محمد بن عبد الله قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان والمأمون.
قلت: وقد رددت هذا الحصر فيما تقدم.
وأخرج عن ابن عيينة قال: جمع المأمون العلماء، وجلس للناس، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين مات أخي وخلّف ستمائة دينار، أعطوني دينارًا وقالوا: هذا نصيبك، قال: فحسب المأمون ثم كسر الفريضة، ثم قال لها: هذا نصيبك، قال له العلماء كيف علمت يا أمير المرمنين؟ فقال: هذا الرجل خلف ابنتين؟ قالت: نعم، قال: فلهن الثلثان أربعمائة، وخلف والدة فلها السدس مائة، وخلف زوجة فلها الثمن خمسة وسبعون، وبالله ألك اثنا عشر أخًا؟ قالت: نعم، قال: أصابهم ديناران، ديناران، وأصابك دينار.
وأخرج عن محمد بن حفص الأنماطي قال: تغدينا مع المأمون في يوم عيد فوضع على مائدته أكثر من ثلاثمائة لون، قال: فكلما وضع لون نظر المأمون إليه، فقال: هذا نافع لكذا، ضار لكذا، فمن كان منكم صاحب بلغم فليتجنب هذا، ومن كان منكم صاحب صفراء فليأكل من هذا، ومن غلبت عليه السوداء فلا يعرض لهذا، ومن قصد قلة الغذاء