للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من تراب، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي وغدًا ميت؟! فاعملوا يومًا بيوم، وساعة بساعة، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر، واحذروا الحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا وتفهموا، واتقوا وتوقوا، فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه وما يحب من الأعمال، وما يكره، فإني لا آلوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم، فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، واغتبطتم، وما تطوعتم به لدينكم فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا لسلفكم، وتعطوا جرايتكم حين فقركم وحاجتكم إليها، ثم تفكروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا، قد وردوا على ما قدموا فأقاموا عليه، وحلوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت، إن الله ليس له شريك وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرًا، ولا يصرف عنه سوءًا إلا بطاعته واتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوا على نبيكم -صلى الله عليه وسلم- والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.

وأخرج الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين} [الأنبياء: ٩٠] ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يطفأ نوره ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة، فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كرامًا كاتبين، يعلمون ما تفعلون، ثم اعملوا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بإذن الله، سابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن قومًا جعلوا آجالهم لغيرهم، ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوحا الوحا١، ثم النجاء النجاء، فإن وراءكم طالبًا حثيثًا أمره سريع٢.

وأخرج ابن أبي الدنيا وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن يحيى بن أبي كثير: أن أبا بكر كان يقول في خطبته: أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين


١ الوحا الوحا: أي السرعة السرعة، ويمد ويقصر يقال: "توحيت توحيًا" إذا أسرعت وهو منصوب على الإغراء بفعل مضمر.
٢ أخرجه الحاكم في المستدرك "٣٨٣/٢"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: عبد الرحمن بن إسحاق كوفي ضعيف.

<<  <   >  >>