وأما هؤلاء فوضعوا قوانينهم على ما رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل، فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء. ثم ذكر الإمام ابن تيمية جوابين في الرّدّ على قانونهم: جواب إجمالي وتفصيلي: أما الإجمالي فيقول: والكلام على هذه الجملة بني على بيان ما في مقدمتها من التلبيس فإنها مبنية على مقدمات - أوّلها - ثبوت تعارضهما - والثانية - انحصار التقسيم فيما ذكروه من الأقسام الأربعة - والثالثة - بطلان الأقسام الثلاثة. والمقدمات الثلاثة باطلة، وبيان ذلك بأصل وهو: أن يقال: إذا قيل: تعارض دليلان - سواء كانا سمعيين أو عقلين، أو أحدهما سمعياً والآخر عقلياً - فالجواب أن يقال: لا يخلو إما أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين. وأما أن يكون أحدهما قطيعاً والآخر ظنياً. فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما، وهذا متّفق عليه بين العقلاء؛ لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة. وحينئذٍ فلو تعارض دليلان قطعيان وأحدهما يناقض مدلول الآخر، للزم الجمع بين النقيضين وهو محال. وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعياً دون الآخر، فإنه يجب تقديمه باتّفاق العقلاء، سواء كان هو السمعي أو العقلي فإن الظنّ لا يرفع اليقين. وأما إن كان جميعاً ظنيّين فإنه يصار إلى طلب ترجيح أحدهما، فأيهما ترجح كان هو المقدم سواء كان سمعياً أو عقليّاً. فتبيّن أن كل ما قام عليه دليل قطعي سمعي يمتنع أن يعارضه قطعي عقلي، ومثل هذا الغلط - أي: القانون السابق - يقع فيه كثير من الناس، يقدِّرون تقديراً يلزم منه لوازم فيثبتون تلك اللوازم ولا يهتدون لكون ذلك التقدير ممتنعاً، والتقدير الممتنع قد يلزمه لوازم ممتنعة كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} . [سورة الأنبياء، الآية: ٢٢ [. اهـ. (ر: درء تعارض العقل والنقل ١/٤-٧، ٧٨-٨١، بتصرف يسير) . وأما الجواب التفصيلي فقد شغل معظم أجزاء الكتاب الذي يقع في عشرة أجزاء بتحقيق د. محمّد رشاد سالم. مما سبق يتبيّن لنا فساد ما ذكره المؤلِّف - عفا الله عنه وعنا - في مقدمة الباب الثالث؛ فإن الباطل لا يرد بباطل مثله. كما أنه يستلزم أن يتسلط النصارى على المسلمين بهذا القانون الكليّ الفاسد فيطالبون بتأويل ما ورد في القرآن الكريم والسنة من الألفاظ الشرعية كالصلاة والزكاة ونحوه بحملها على ظواهرها اللغوية ونفي معانيها الشرعية، وغير ذلك من الأمور التي تلزم قانونهم الفاسد.