للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الله في نبوة أشعيا: "إني ربيت أولاداً حتى كبروا ونشأوا"١، فما نرى المسيح إلاّ نسج له على منوال من تقدمه من صلحاء عباد الله فإن لم يصح هذا النقل فلا بنوة، وإن كان صحيحاً فلا مزية.

والدليل على أن البنوة بمعنى التربية والإنعام قول المسيح في الإنجيل: "إني رباني"٢، فقرن الأبوة بالتربية.

وقال المسيح: "أنا الكرم وأبي الفلاح فكما أن الفلاح يسقي الكرم ويدفع عنه الأذى ويُنمِّيه فكذلك يفعل الأب"٣.

قال المؤلِّف: وإذا كان هذا نقلهم عن الله تعالى أن الله تعالى سمَّى الصالحين من عباده والمتقين من خلقه أبناء، فلا معنى لإطنابهم في بنوة المسيح وتخصيص التأويل بداود وإسرائيل وغيره ما إليه من سبيل.

قلت: وهذه الولادة الروحانية هي الأبوة المعتبرة المستفادة من تربية المشائخ والعلماء بالله الدالين عليه المحبين عباده، وبها يصير الإنسان إنساناً، وذلك أن الوالد الجسماني يضع المولود ساذجاً عن المعرفة، خالياً عن العلم، عاطلاً من الأدب، متوفر البهيمية / (١/٨٠/أ) نزر الإنسانية، ليس له كبير فضل على الحيوان البهيم، فإذا ولد الولادة الروحانية نقل إلى طور الإنسان، وحُوِّل عن بهيم الحيوان، فتروى بالعلم، وتحلَّى بالحكم، وتَشَنَّف بالأدب، وتشرف بالزهد، وتَرَوْحن بالمعرفة، فترقى عن الإنسانية وناسب الملائكة، فحينئذٍ تمت له الولادة الروحانية وتلاشت في جنبها الولادة الترابية الجسمانية.


١ يوحنا ١٤/٣١.
٢ يوحنا١٤/٣١.
٣ يوحنا١٥/١-٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>